هل بوسع الأفارقة حل الأزمة الليبية؟ - علاء عبدالعزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 9:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل بوسع الأفارقة حل الأزمة الليبية؟

نشر فى : السبت 9 يوليه 2011 - 9:11 ص | آخر تحديث : السبت 9 يوليه 2011 - 9:11 ص

 منذ أن بدأت الكتائب الموالية للعقيد القذافى فى الرد العنيف على مطالب الشعب الليبى الرامية إلى التحول الديمقراطى فى منتصف فبراير الماضى مستخدمة القصف الجوى والمدفعى فى مواجهة محتجين مسالمين.انتهج الاتحاد الأفريقى سياسة واضحة ومعلنة تدعو إلى رفض أى تدخل أجنبى فى الشأن الليبى، الأمر الذى تفهمه البعض على مضض باعتباره يجسد نوعا من الالتزام بمبدأ «احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية» كواحد من مبادئ العمل الأفريقى المشترك منذ ستينيات القرن الماضى. على أن إصرار الاتحاد الأفريقى على ذات النهج رغم ما شهدته الأزمة الليبية من تطورات طوال الأشهر الخمسة الماضية أثار العديد من علامات الاستفهام حول الدوافع الحقيقية لهذا الإصرار.

الخلل المؤسسى

المتابعون للشأن الأفريقى يعرفون أن الاتحاد يعانى خللا بنيويا أشبه بالخلل الكائن فى منظومة الأمم المتحدة، فكما لا يتصور أن يتخذ مجلس الأمن الدولى قرارا يناقض مصالح الدول الخمس دائمة العضوية فيه بحكم ما تملكه تلك الدول من صلاحيات داخل المجلس، يعرف الاتحاد الأفريقى وضعا عرفيا «مميزا» لخمس بلدان من أعضائه على نحو يحول دون اتخاذ قرارات تناقض مصالح تلك الدول. صحيح أن هذه البلدان لا تحوز عضوية دائمة فى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد ولا تتمتع بحق النقض فى اتخاذ قراراته (إذ لا وجود لهذا الحق أصلا فى منظومة العمل الأفريقى)، إلا أن هذه البلدان تسهم مجتمعة بثلاثة أرباع الميزانية السنوية للاتحاد، فى حين تسهم باقى الدول الأعضاء مجتمعة (48 دولة) بالربع المتبقى، وغالبا ما تعجز عن الوفاء بحصصها المتواضعة فى إطاره.

ولأن سطوة المال لا يدانيها سطوة سيما فى ظل منظمة تعانى عجزا مزمنا فى مواردها المالية، فقد كان ولا يزال متعذرا على الاتحاد أن يتخذ موقفا يناقض ما تعتبره النظم الحاكمة فى ليبيا ومصر والجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا مناقضا لمصالحها.

زد على ذلك أن بنية السلم والأمن التى نصت المواثيق المنشئة للاتحاد الأفريقى على استحداثها فى بداية القرن للتعامل مع الأزمات، التى تهدد السلم والأمن فى القارة، ما زالت تترنح كطفل لا يقوى على السير. فالقوة الأفريقية الجاهزة التى يفترض أن تكون الأداة العسكرية القارية للتدخل فى هكذا أزمات لم تتشكل بعد وما زال يعترض طريقها عراقيل عدة، ولجنة الحكماء تعد بحق حبرا على ورق إذ ولدت محرومة من صلاحيات الوساطة فى النزاعات، التى تنشأ داخل وفيما بين الدول الأفريقية، أما آلية الإنذار المبكر فقد أثبتت فشلا ذريعا فى التنبؤ بأحداث الربيع العربى، التى اجتاحت دول الشمال الأفريقى الواحدة تلو الأخرى.

والمعنى أن الاتحاد يواجه افتقاره للإرادة السياسية وللأدوات المؤسسية الكفيلة بالانتصار لمبادئ الديمقراطية وحماية المدنيين، من خلال التشبث بحيلة «عدم التدخل»، التى تعنى فى جوهرها تدخلا لصالح استدامة الأمر الواقع.

المصالح قبل المبادئ

يقال دائما إن أى منظمة عالمية كانت أو إقليمية هى مرآة تعكس إرادة بلدانها الأعضاء، الأمر الذى يعنى أن أغلب الدول الأعضاء فى الاتحاد الأفريقى يميلون إلى تأييد أو على الأقل غض الطرف عن ممارسات الإبادة، التى يمارسها القذافى تجاه شعبه، فهل هذا صحيح؟

يجيبنا أحد الرؤساء الأفارقة الذى امتلك الشجاعة لأن يعترف، على هامش حضوره القمة الأفريقية، التى اختتمت أعمالها فى غينيا الاستوائية فى الأول من يوليو الجارى، بأن اهتزاز عرش العقيد تسبب فى عودة نحو ربع مليون من مواطنيه إلى بلدهم هربا من جحيم الصراع فى ليبيا، الأمر الذى أدى إلى فقدان بلايين الفرنكات الأفريقية، التى دأب هؤلاء على تحويلها إلى ذويهم فتنعش الاقتصاد المحلى الفقير بحركة تجارية تجنى من ورائها الحكومة ضرائب ورسوما جمركية.

تلك الديمقراطية اللعينة، التى يطالب بها ثوار ليبيا البواسل أفقدت الدولة الأفريقية، التى يترأسها هذا الرجل تحويلات العمالة وعائدات الضرائب والجمارك وأضافت لجيش العاطلين مددا بمئات الألوف، بل وأوقفت مشروعات استثمارية كانت حكومة القذافى تمولها بسخاء، فهل يعقل أن ننتظر من الرجل أن يتخلى عن العقيد (الذى يمثل بملايينه عصفورا فى اليد) ويؤيد حق الثوار فى الخلاص من الطاغية على أمل أن يواصلوا بعد أن يستتب لهم الأمر استقدام العمالة وتقديم المساعدات إلى بلاده؟
تلك حالة مثالية للقياس عليها فى فهم مواقف الكثير من الدول الأفريقية، التى صاغت ثم أيدت ما سمى بمبادرة الاتحاد الأفريقى لحل الأزمة الليبية، والتى تعاملت مع الجلاد والضحية على قدم المساواة فانتصرت للأول وتخلت عن الأخير.

بقى أن نشير إلى أن اعتبارات «اللياقة» منعت هذا الرئيس من الاعتراف بأن عددا من زملائه القادة الأفارقة يعلمون أنهم نسخ مصغرة من الأخ العقيد، يحكمون بلادهم بالحديد والنار لعقود تلو أخرى دون الالتفات لمصالح وتطلعات شعوبهم المقهورة، ولا يريدون أن تشكل الحالة الليبية سابقة يمكن للاتحاد الأفريقى مستقبلا الاستناد إليها فى مناصرة حقوق الشعوب الأفريقية تجاه حكامها الطواغيت. تلك «اللياقة» منعته أيضا من الإشارة إلى خط التمويل المفتوح والنشط الذى يبدأ من خزينة الأخ العقيد وينتهى فى الحسابات الشخصية لعدد من القادة الأفارقة فيحدث أثره فى تمسكهم بمبدأ «عدم التدخل فى الشئون الليبية واحترام سيادتها ووحدة أراضيها».

صحيح أن مواقف القوى الغربية تجاه الأزمة الليبية لا تخلو من انتهازية، لكن البيت الأفريقى حيال تلك الأزمة جدرانه من زجاج هش.

التعليقات