الانفجار المحتمل للصهيونية.. بيد من؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانفجار المحتمل للصهيونية.. بيد من؟

نشر فى : الخميس 1 يونيو 2023 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 1 يونيو 2023 - 9:50 م

الحروب الدينية فى الشرق الأوسط بدأت عدواها تنتقل لإسرائيل. البعض يفسر ذلك بأن الجماعات الدينية الإسرائيلية ترفض العلمانية، وتريد فرض صورتها الخاصة عن الإله، إلا أن الكاتب سعد محيو ــ فى مقاله على موقع 180 ــ رأى أن ما يفجر هذا الصراع هو نفسه ما يفجر الصراعات الأخرى فى العالم. بمعنى آخر، الصراعات فى القرن الـ 21 بين القيم الروحانية وبين القيم المادية المطلقة، كذلك بين 1% من النخبة الرأسمالية وبين القوى الديمقراطية والإنسانية.. نعرض من المقال ما يلى.
هل بدأت عدوى الحروب الدينية (الطائفية والمذهبية والإثنية) فى إقليم المشرق المتوسطى، تلفح وجه الصهيونية وإسرائيل؟ وإذا كان الأمر كذلك، أى إذا كان هناك «وحدة مصير» (…) قيد العمل بين إسرائيل ودول المشرق، فلماذا يحدث ذلك، وما يعنيه هذا فى سياق التطورات الانقلابية العالمية الراهنة؟
الشق الأول يجيب عليه بالإيجاب بوضوح شديد البروفسور الأمريكى البارز فى علم التاريخ لورنس ديفيدسون. وإليكم خلاصاته الرئيسة:
أولا: عقود من الأحقاد (بين الأجناس الإسرائيلية) تتحوّل الآن إلى معارك سياسية طاحنة، وكراهيات العالم القديم تحدث الآن فى ما كان يعتقد أنه «مكّة العبرية» فائقة التطور التكنولوجى.
ثانيا: الآن، وفجأة، وبرغم محاولات التحالف اليمينى الراهن لتأخير المجابهات الداخلية الإسرائيلية عبر محاولة سحق سكان غزة، فإن لحظة تفكك الصهيونية السياسية ربما باتت وشيكة. والمظاهرات والمظاهرات المضادة الأخيرة مجرد البداية لها، لكنها بداية مهمة لأنها تتعلق بثقافة إسرائيل اليهودية: إذا ما انتهى القضاء، انتهت إسرائيل، وغرقت فى صراعات الهوية: من هو اليهودى الصحيح (دينا وثقافة وقراءة تاريخية)، وما هى طبيعة الهوية اليهودية لدولة إسرائيل: الحريدمية الدينية، أم السفارديمية القومية أو الدينية، أم العلمانية، أم القومية الأوروبية؟
ثالثا: هذه الأجواء أثارت الذعر فى صدر الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتزوج ودفعته إلى القول: «إسرائيل غاطسة فى سكرات أزمة عميقة. وكل من يعتقد أن الحرب الأهلية الحقيقية هى خط لن يتجاوزه أحد فليس لديه فكرة (حول هذه الأزمة): جهنم على قاب قوسين أو أدنى».
ويختم المؤرخ ديفيدسون بالقول: «تستطيع أن تدرك معنى هذه الجهنم، حين تعلم أن ترجمة تعبير الحرب الأهلية فى العبرية هو «حرب الأخوة». والآن، تبددت هذه الأخوة وحلّت مكانها الكراهية والاحتقار والرعب. لقد وصل الصهيونيون بالفعل إلى حافة الحرب الأهلية.
لكن ما هو غير واضح هو كيف يمكن لهذه الدولة التى كان تتغنى بها حتى شخصيات إعلامية وأكاديمية عربية معروفة بكونها معقل الديموقراطية، والمثل الأعلى للإبداع التكنولوجى والعلمى، والنموذج الأمثل لنجاح نخب طليعية فى خلق مجتمع ودولة من لا شىء، أن تنحدر فجأة إلى هذه الهوة السحيقة؟ إلى هذا الجحيم الموصوف؟
قد يقال هنا إن الدينيين الإسرائيليين ضاقوا ذرعا بعلمانية الدولة، ويريدون الآن فرض «صورتهم الخاصة لله» على باقى آلهة إسرائيل. يريدون العودة إلى هوية دينية مغلقة ظنّ الكثيرون أن صفحتها أغلقت مع تكوين دولة إسرائيل، التى يفترض أنها أعطت الدينيين الانطباع بأنها تُحقق مشيئة الله.
بالفعل، كان هذا ما حمل الدينيين أو المحافظين الدينيين اليهود على الاستكانة طيلة 70 عاما، إضافة بالطبع إلى الدور الدائم الذى يلعبه الخطر العربى والإسلامى فى شد أزر التلاحم فى المجتمع الإسرائيلى.
حسنا. ما الذى تغيّر، إذا، كى يُقرّر اليمين الدينى الآن حسم معركة الهوية الدينية للدولة والمجتمع، عبر محاصرة القضاء وإعادة النظر بدور المحاكم، وإصدار القوانين المتلاحقة التى تريد إعادة صياغة مفهوم من هو اليهودى؟ ومن هى إسرائيل اليهودية؟
لا التغيّرات الاقتصادية تكفى لتفسير هذا الانقلاب، ولا الشقوق فى العدالة الاجتماعية، ولا تراجع الاستثمارات الأجنبية الضخمة خاصة فى قطاع التكنولوجيا الفائقة (برغم أنها تراجعت بالفعل نسبيا بعد المظاهرات)، ولا حتى الصراعات القديمة بين العلمانية والدين التى كانت وما تزال لازمة دائمة فى تاريخ كل المجتمعات، خاصة منها المجتمعات الأوروبية فى القرن التاسع عشر.
الأرجح أن ما فجّر هذه الصراعات الخطرة هو نفسه ما يُفجّر الآن معظم (وقريبا كل) مجتمعات العالم: الطور الجديد من العولمة التكنو ــ رأسمالية التى ترقص على إيقاع نغمتين موسيقيتين متلازمتين: الأولى، بدء دك أسوار الأمة ــ الدولة وتفكيك قدرتها على تشكيل لحمة قوية لمجتمعاتها عبر خلق هويات جديدة لا علاقة لها لا بالزمان (التاريخ) ولا المكان (حدود الأمة ــ الدولة) ولا بالطبع بالعواطف القومية أو حتى الوطنية. والنغمة الثانية هى تسليع كل / وأى شىء (بما فى ذلك حتى الدين فى أمريكا) ودفع الفلسفة المادية المطلقة إلى ذرى لم تبلغها قط فى كل التاريخ البشرى الحديث.
بنجامين باربر (فى كتابه «الجهاد فى مواجهة ماكوورلد»)، ربط بإحكام بين صعود أصولية السوق الرأسمالى المنفلت من أى عقال وبين ظهور الأصوليات الدينية المتطرفة، واعتبر أن هذين النقيضين يكملان بعضهما فى الواقع ويتغذيان من بعضهما البعض.
هذا صحيح. لكن إلى متى سيبقى العالم أسير هذين الخيارين المُدمّرين؟ إلى حين تتمكّن البشرية من الدخول فى الطور الثانى من تطورها الأخلاقى والقيمى، بعد التطور الأول الذى حدث فى مصر قبل ستة آلاف سنة مع ولادة «الضمير» للمرة الأولى فى التاريخ (جون بريستد).
بكلمات أوضح: الصراع برمته فى القرن الحادى والعشرين سيكون بين القيم الروحانية (بمعنى وحدة الوجود) والضمير والمثل العليا، وبين القيم المادية المتعولمة المطلقة التى تستخدم الآن الثورة التكنولوجية الرابعة لفرض ما يمكن أن يكون قريبا أعتى ديكتاتورية فى التاريخ. الصراع سيكون أيضا بين الـ 1% الذين يُشكّلون النخبة الرأسمالية الحاكمة والمتحكّمة بالاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا فى العالم، وبين القوى البيئية والديمقراطية واليسارية والإنسانية التى ستعمل لإعادة مفاهيم معنى الوجود الحق للإنسان وأمّنا الطبيعة، والتى ستقدّم فى الوقت نفسه حلولا روحانية ــ مادية متوازنة تُوضع فيها التكنولوجيا المتطّورة فى خدمة الإيكولوجيا وكل البشرية.
الانفجار المحتمل للصهيونية يكمن فى هذا السياق بالتحديد وليس، كما أسلفنا، فى ثنائية صراع العولمة والدين.
وحين يكون الأمر على هذا النحو، لا يعود مستغربا أن تكون هناك «وحدة حال» بالفعل بين مصير إسرائيل الصهيونية وبين ما يجرى من حروب وتفكك فى إقليم المشرق.
إنها العولمة التكنو ــ رأسمالية التى بدأت تلتهم كل شىء، بمن فيهم أبناؤها اليهود.
النص الأصلى:
http://bitly.ws/Gp36

التعليقات