التجربة التشيكية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التجربة التشيكية

نشر فى : الخميس 1 سبتمبر 2011 - 8:40 ص | آخر تحديث : الخميس 1 سبتمبر 2011 - 8:40 ص

 أتيح لى خلال اليومين الماضيين، وعلى هامش مشاركتى فى المؤتمر السنوى لوزارة الخارجية التشيكية بمحاضرة حول ثورات المواطنين فى العالم العربى، الحوار مع بعض خبراء التحول الديمقراطى التشيك والذين ساهموا فى نجاح بلدهم فى الانتقال من ديكتاتورية الحزب الشيوعى والأجهزة الأمنية القمعية إلى حكم القانون وتداول السلطة والرقابة المدنية على المكون الأمنى والعسكرى.

والحقيقة أن التجربة التشيكية، وهى يشار إليها فى أوروبا الوسطى والشرقية باعتبارها التجربة الأكثر نجاحا واستقرارا فى بناء الديمقراطية واقتصاد السوق المتوازن، بها الكثير مما يمكن أن نستفيد منه فى مصر ونحن نبحث عن الإدارة الأفضل للمرحلة الانتقالية الراهنة وتحدياتها المختلفة.

فعلى سبيل المثال، تم إصلاح الجهاز الأمنى فى جمهورية التشيك عبر عملية تدرجية لم تسفر لا عن انهيار الجهاز ولا عن تراجع قدراته. فقد عهد لمدنى بالإدارة السياسية للجهاز وتم إخضاعه لرقابة برلمانية وقضائية مشددة واستبعدت، وبعد تحقيقات قانونية، العناصر التى ثبت عليها التورط فى انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد. وفى ذات الوقت، تم إعداد برامج لتأهيل العاملين فى الأجهزة الأمنية لاحترام مقتضيات الديمقراطية ودولة القانون وضمانات حقوق المواطنين. كما تعاملت السلطات التشيكية بحرية مبهرة مع ماضى الانتهاكات، فنشرت محاضر للتنصت على المواطنين ولأعمال الجاسوسية الداخلية ضد المعارضين للحزب الشيوعى وغيرها.

نستطيع أيضا الإفادة من التجربة التشيكية فى تطهير مؤسسات الدولة على المستويين الوطنى والمحلى للتجاوب مع متطلبات المرحلة الانتقالية وبناء الديمقراطية. استبعدت وفقا لقانون «الكشف عن الماضى» العناصر الفاسدة والمتورطة فى انتهاكات حقوق الإنسان من المناصب العامة على المستويين الوطنى والمحلى ومنعت من تولى المناصب هذه مستقبلا. واستمر العمل فعليا بهذا القانون لمدة 10 أعوام، ثم تراجعت أهميته بعد تطهير مؤسسات الدولة والإدارة العامة.

المهم هنا أيضا هو أن من تحدثت معهم حول التطهير من الخبراء التشيك تعاملوا بصورة نقدية مع الأمر وأشاروا إلى العديد من التجاوزات التى حدثت فى الممارسة وكانوا يتمنون تجنبها. قراءة نقدية لخبرة تطهير مؤسسات الدولة فى جمهورية التشيك ستساعدنا فى مصر على التعامل بعقلانية واحترام لسيادة القانون مع ملفات الغدر وأعضاء الحزب الوطنى المنحل وأعضاء البرلمان والمجالس المحلية السابقين.

يبدو لى كذلك أن تجربة التشيك فى إدارة انتقال ديمقراطى مع تطوير لاقتصاد سوق ناجح جاذب للاستثمارات الخارجية وفى ظل بيئة اقتصادية ومالية مطمئنة لرأس المال فى الداخل والخارج ومع شبكات فعالة للضمان الاجتماعى شديدة الأهمية لنا فى مصر.

على كل هذه المستويات، يمكن للحكومة المصرية أن تنفتح على الخبرة التشيكية وتطلب من الحكومة التشيكية تقديم العون المنهجى والفنى أو على الأقل عرض خبرتهم على مسئولينا لتقرير إمكانات وسبل الإفادة. تنتظر وزارة الخارجية التشيكية زيارة وزير الخارجية المصرى خلال أيام، وربما كانت هذه الزيارة فرصة جيدة للشروع فى حوار التعاون بين البلدين فى ما خص قضايا التحول الديمقراطى.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات