فى زيارة أخيرة للقاهرة كانت أطول من المعتاد، لفت نظرى هذا الكم الرهيب من المكالمات والرسائل التى تلقيتها على رقم تليفونى المحمول المحلى من مسئولى المبيعات فى عدد كبير من الشركات والهيئات وحتى البنوك. حتى أنه فى أيام كثيرة كان عدد المكالمات التى أتلقاها من المعارف والأصدقاء هائلا. كم دقيقة تضيع فى قراءة الرسائل أو الرد على المكالمات فى اليوم الواحد؟ وإذا أضفنا إلى ذلك الدقائق التى تستغرقها لتعاود التركيز فيما كنت تفعله قبل تلقى المكالمة أو الرسالة، فأنا متأكد أن كل مصرى فى الشريحة المستهدفة تضيع منه قرابة الساعة يوميا إما من وقت عمله أو من الوقت المخصص لأسرته أو حتى راحته. هى ظاهرة نراها بهذا الكم فقط فى الدول التى لم يصبها حظ وافر من التقدم. بل أعتقد اعتقادا يقترب من اليقين أن أى دراسة جادة ستجد أن هذا الأسلوب من شأنه أن يؤثر سلبا على إنتاجية شريحة كبيرة من الشعب وبالتالى على الناتج القومى للاقتصاد.
يا ترى ما هى أسباب انتشار التيليماركيتينج فى دول دون الأخرى؟ غالبا هو مزيج من الأسباب أهمّها انخفاض تكلفة العمالة وانخفاض تكلفة المكالمات والرسائل ولكن الأهم هو غياب الرقابة الجادة التى من شأنها أن تحجم من هذه الظاهرة والتى يتم استخدامها مؤخرا فى عمليات نصب متعددة خاصة على عملاء البنوك والشركات العقارية. أما عن سبل علاجها فيكون بتخصيص أرقام للإبلاغ عن أرقام التليفونات التى يتم استخدامها فى الإعلان عن منتجات بدون سابق معرفة من العميل وبتوقيع غرامات مالية كبيرة على أصحاب هذه الأرقام سواء كانوا أفرادا أم شركات. كذلك من الممكن أن يتم فرض ضريبة مرتفعة على كل رسالة يتم إرسالها بغرض الإعلان عن منتج على التليفون المحمول حتى إن كانت هذه الرسالة واردة على وسائل التواصل مثل الواتس آب.
قد يظن البعض أن هذا أمر هين أو غير هام ولكنها فى حقيقة الأمر ظاهرة متخلفة زادت عن حدها لدرجة تزيد من الضغوط على المواطنين دافعى الضرائب وتمثل عبئا على المجتمع يؤثر سلبا على الناتج القومى والأهم أنها تعد سافر على خصوصية الأفراد. هى معاكسة تليفونية على نطاق واسع والمفروض فى بلد يحترم القانون أن يعاقب مرتكبها نفس عقوبة مرتكب مخالفة المعاكسات التليفونية أو أشد إذ أن الشخص الواحد يضر بآلاف المواطنين شهريا ويفتح الباب لمشاكل المواطن فى حل عنها.