كم لحظة هى تلك التى سرقت منهن، كم فستان تلون بفرح قلوبهن وبقى فى تلك الخزائن يراقب صاحبته ويغويها لارتدائه للموعد الأول! كم مرة استمعن لأغانى العشق وجلسن يحلمن بأن يعشن تلك اللحظة التى حولها عبدالحليم حافظ إلى ليالى طويلة من التنهدات..
***
كم حلمن بلمسة اليد الأولى، الرعشة التى تواكب لحظة التقاء العيون وفيها أقصى درجات التمرد بالنسبة لهن! كان عبدالحليم هو حلم كل فتاة من المحيط إلى الخليج فى سنوات المراهقة الأولى ولم يسرق عبدالحليم من مساءاتهن فوق سطوح المنازل المتلاصقة حيث الندى يسقط فيضيف بعض الانتعاش فى غيظ الصيف الحار.. غنت نجاة الصغيرة قصيدة نزار الشهيرة «لمن صبايا لمن شال الحرير لمن»... فسقطت الفتيات.. مراهقات العرب فى تلك القصيدة بصوت نجاة الدافئ وكان صوت المرأة فى القصيدة ونجاة كأنه الصرخة التى لم تسمعها نساء العرب من امرأة قبل إلا ربما تفسير البعض المتنوع لصرخة أم كلثوم «أعطنى حريتى أطلق يدى» وكأنها تصرخ عن كل نساء هذه الأرض التى عرفت وأدهن وجاء الإسلام ليكرم المرأة ويوقف ذلك ثم انقلب تجار الدين ليعيدوا أيام الجاهلية الأولى..
***
مع أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضى حرقت النساء فى باريس المشدات الصدرية أما نساء العرب فقد حرقن العبايات التقليدية ورحلن فى عوالم الموضة وموسيقى الروك آند رول.. ككل فصل ربيع لم يطلع ربيع نساء العرب، فما هى إلا بضع سنين وتصدر تجار الدين المنابر وأصدروا الفتاوى فودعت النساء آخر فساتينهن القصيرة من المينى جيب والديكولتيه وعدنا إلى عباءة العائلة والعادات التى اختلطت بالدين وانسدل السواد ليطارد كل الفضاءات العامة.. ليست داعش هى من اغتصبت النساء بل قبل داعش ورجالات داعش أعيد دفن النساء فى سواد عميق عميق لا نهاية له..
***
جاءت الفتاوى والتفسيرات والتأويلات وأحاديث تجار الدين والدنيا ولن ننسى حملة الأختام و«الترزيه» مفصلى الدين والقانون والتشريعات على أهواء أولى الأمر!! ولم تكن المرأة سوى أول الضحايا.. إذا ما استمعت لأم كلثوم فذلك يعنى أنها تحب والحب فى عرفهم عيب كبير ينال الشرف والعرض.. وإذا طالبت بأن تبقى فى المدرسة بعد الصف السادس أو الثانى الإعدادى (حسب تلك المرحلة) فهذا مخالف لدور المرأة كما نص عليه الدين حسب تفسيراتهم هم أيضا.. وإذا قالت إنها تحلم بكذا وكذا فيكون الرد، وكثيرا من المرات من النساء الأكبر سنا، لا يحق للنساء الحلم بل عليهن أن يحققن أحلام الآخرين!
***
تاجروا بمعنى شرف العائلة حتى سمحت القوانين الدينية والوضعية بقطع رأس الأخت من قبل أخيها بادعاء أنها مست شرف العائلة أو القبيلة! بعضهم حمل رأس أخته فى تلك البلدات المكتظة بالمساجد ورجال الدين حملة النصوص الجاهزة، ووضعوا الرءوس فوق مكاتب حرسة القانون وحامى الدولة والدين فى مراكز الشرطة تلك المسئولة عن راحة المواطن والحفاظ على حقوقه رجلا كان أم امرأة.. فالتقى الدين بالقانون واجتمعوا على دفنها لأن فيه دفن للعار!
***
قال لها البعض أنت مسئولة عن الحفاظ على بقاء الأسرة وتماسكها، عليك التضحية دوما أو تعيشين بذاك الإحساس المقيت بالذنب لأنك مقصرة فيما الرجال يمضون أوقاتهم غير عارفين ماذا يفعلون بكل ذاك الزمن الطويل الذى هو يومك القصير المتداعى والمكتظ بالواجبات والأحاسيس المكتومة والمشاعر الممنوعة..
***
مياه كثيرة عبرت من تحت جسورهن وهن جالسات هناك يعشن بين الواقع وكثيرا من الخيال ثم عاد نفس أولئك الذين حرموا وحللوا وفجأة فتحوا النوافذ على كل الرياح القادمة ورددوا عليهن أن الشوارع كلها والأماكن لم تعد محصورة خلف ستائر سوداء للنساء فيما يتجول الرجال حتى يحلقوا إلى المدن البعيدة برمشة عين!
***
عاد نفس أولئك ليحللوا ما حرموه فقالت لهم هى لا غيرها وماذا عن فساتينى القديمة.. ورددت «لمن كان صبايا؟» وكيف تعود أسطوانات عبدالحليم التى كسرها أخى بعد فتاويهم ولحن لم أسمعه وأغنية خفت أن أرددها وأم كلثوم التى قيل لى إذا سمعتيها تصرخ «أعطنى حريتى» فقد كفرتِ ووقعتِ فى الحب.. حين كان الحب جريمة!