نشر موقع منظمة المؤتمر الشعبى لفلسطينيى الخارج مقالا للكاتب منير شفيق، تناول فيه بعض العوامل والأسباب ــ الداخلية والخارجيةــ التى تنذر بقرب نهاية الكيان الصهيونى... نعرض من المقال ما يلى:لم يحدث منذ العام 1948، عام إقامة الكيان الصهيونى، حتى هذه الأشهر الأخيرة، أى طوال 75 سنة، أنْ كتبت مقالات وصدرت تصريحات من مصادر صهيونية، تناولت قرب نهاية الكيان. فقد كان السائد هو الاطمئنان على مستقبله، بل التأكد من أنه فى الطريق للسيطرة على «الشرق الأوسط». وهو ما عبر عنه مشروع شيمون بيريز فى التسعينيات الماضية حول بناء «شرق أوسط جديد»، وقد راحت أمريكا بيل كلينتون تدعمه وتضع كل ثقلها وراءه. وسار على هذا المنهاج، وبتنفيذ عسكرى، ما عرف باسم «الشرق الأوسط الكبير» الذى تبنته إدارة جورج دبليو بوش، ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس. وعبر عن التوجه نفسه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وحليفه بنيامين نتنياهو، تحت مسمى «صفقة القرن» كذلك.
• • •
على أن الأهم الآن التوقف عند الأسباب التى راحت تستند إليها التقديرات التى تقوم حجتها على ما أخذ يسود من عوامل ووقائع حديثة راهنة، وهى التى تسمح بالقول إن نهاية الكيان الصهيونى أصبحت وشيكة، والبعض راح يؤكد أنها أقرب من أى تقدير يقول بقربها.
لا شك فى أن ما ساد من وقائع عرفتها السنوات العشرون الماضية تسمح بهذا التقدير، وذلك ابتداء من اندحار الاحتلال الصهيونى من جنوبى لبنان، ومن قطاع غزة، فى العامين 2000 و2005 على التتالى، وبلا قيد أو شرط، ثم هزيمته المدوية فى حرب يوليوــ أغسطس 2006 فى لبنان، كما هزائمه العسكرية فى 2008/2009، و2012، و2014 فى قطاع غزة، مما يشكل مرحلة جديدة، وبأبعاد جديدة، لما كان عليه الحال العسكرى فى الأعوام الخمسين التى سبقتها، الأمر الذى يتيح القول بأن حقبة التراجع والتدهور قد ابتدأت، ولا مجال إلى نكران ذلك أو عدم التوقف عنده على الأقل.
ثمة ظاهرتان لا تقلان أهمية عن الوقائع السابقة، بل أبعد أثرا، تؤكدان أن الكيان الصهيونى دخل فى حقبة التراجع والتدهور، مما يشير إلى قرب النهاية، وذلك كاتجاه مستقبلى يتقارب خطوة بعد أخرى.
الظاهرة الأولى، عدم لجوئه للحرب فورا لإنهاء قيام قاعدة مقاومة مسلحة فى قطاع غزة، كما عدم لجوئه للحرب فورا لمنع تسلح حزب الله على مستوى الصواريخ، والمجالات العسكرية الأخرى التى ظهرت لها مؤشرات لا تسمح بالسكوت عنها. وذلك كما كان الحال فى الماضى الذى شن فيه حربا ضد مصر عام 1956، عندما بدأت تتسلح خارج المنع الغربى، وبما قد يهدد ميزان القوى معه، وصولا إلى حرب 1967 حيث احتل سيناء والجولان والقدس والضفة الغربية ليحسم الصراع ضد حركة التحرر العربى، حسما بالحرب والعدوان والاكتساح، وتغيير حتى فى الجغرافيا.
أما الظاهرة الثانية، فعدم لجوئه للحرب ضد إيران، وهى تتسلح وتبنى محور مقاومة، وقد أنزلت القوة العسكرية الصهيونية من احتكار القوة العسكرية المتفوقة تفوقا كاسحا على مختلف الدول العربية والإسلامية فى المنطقة؛ إلى قوة عسكرية عاجزة عن خوض الحرب المنتصرة. وذلك كما حدث فى السنوات الخمسين التى تلت إقامة الكيان الصهيونى الذى اقتلع بالقوة غالبية الشعب الفلسطينى، وأحل مكانه كيانه الاستيطانى الاقتلاعى الإحلالى العنصرى.
إن عدم لجوء الكيان الصهيونى للحروب فى حسم الصراعات آنفة الذكر؛ لا تفسير له غير العجز، وفقدان اليقين من النصر، والخوف من حجم الخسائر المادية والبشرية فى حالة اندلاع حرب شاملة. طبعا هذا لا يعنى عدم لجوئه للحرب لاحقا، بل إن خطط الحرب على الطاولة أمامه ولا يمنع التنفيذ غير ما ذكر من أسباب.
إن هذه المعادلة فى ميزان القوى التى دخل فيها الكيان الصهيونى، تسمح بصدور المقالات والتصريحات الصهيونية التى أخذت تنذر بقرب النهاية، أو تذكر بأسطورة دول عبرية لم تعش أكثر من ثمانين عاما.
• • •
هذا وثمة بعدان آخران يضعان الحب فى طاحونة الاقتراب من النهاية؛ أولهما تطورات خارجية على مستوى الدول الراعية للكيان الصهيونى، وثانيهما تطورات داخلية بعضها يتعلق بالترهل والشيخوخة، وبعضها يهدد باندلاع حرب أهلية داخل الكيان الصهيونى.
صحيح أن البعد الأول المتعلق بالدول التى أنشأت الكيان، وأمنت له أسباب الحماية والقوة والسيطرة إلى حد جعلته الدولة المدللة فى العالم، أى بريطانيا والغرب، وخصوصا أمريكا، أخذت تفقد سيطرتها على العالم وجعلت بدورها تتراجع وتشيخ، إلا أنها لم تصل بعد إلى حد الانهيار، ولكنها لم تعد قادرة على أن تؤمن له ما كانت تؤمنه سابقا من أسباب الدعم والحماية، الأمر الذى أسهم، ويسهم، فى ما حاق ويحيق بالكيان الصهيونى من ظاهرة التراجع والتدهور.
يجب أن يلاحظ هنا أن وصول الكيان الصهيونى إلى الانهيار لا يشترط انهيار الغرب تماما، وإنما حدوث توازن دولى أو حالة دولية فى صراع الدول الكبرى تتيح وصول الكيان إلى الانهيار، يكون أفضل من هيمنة صينية روسية مطلقة، بدلا من الهيمنة الأمريكية ــ الغربية. وهذا ما سيحدث فى المدى المنظور، ومن الصعب التكهن من الآن كيف ستكون معادلة الوضع الدولى فى حينه.
أما التطورات الداخلية، فتتلخص ببعدين: الأول الدخول فى الحياة الاستهلاكية الغارقة فى الترف، وكسب المال، وألوان الانحطاط المسلكى، وهبوط مستوى القيادات، أى الانتقال من «مجتمع» «التقشف والطلائعية» و«كل شىء من أجل الحرب»، إلى «مجتمع» الرفاه والفسوق.
أما البعد الداخلى الثانى فتمثل باندلاع الصراع بين المتدينين «التوراتيين» الذين يشاركون فى حكومة نتنياهو، وفى تأمين أغلبية برلمانية لها، ويسعون لإلغاء «الدولة العميقة»، والنظام العلمانى الحداثى المغطى، فى الوقت نفسه، بتبنى الأسطورة التاريخية لإقامة الكيان الصهيونى الذى قام منذ 1948. هذا الصراع يحمل فى داخله طبيعة عدائية تقتضى غلبة طرف على آخر أو دحره تماما، الأمر الذى جعل عددا من قادة الكيان الصهيونى ينذرون بأن هذا الصراع ذاهب إلى الحرب الأهلية، ووصل الأمر بالبعض إلى توقع الانقسام إلى دولتين، إحداهما على الشاطئ، والأخرى فى الداخل حيث المستوطنات فى الضفة الغربية ما بعد احتلال 1967.
• • •
إلى هنا تكون هذه المقالة قد أشارت إلى مسوغات المقالات والتصريحات الصهيونية التى تحذر من اقتراب نهاية الكيان الصهيونى، وهى مسوغات جدية يحب أن تؤخذ بعين الاعتبار. وهذا من دون إبراز البعد المقابل المتنامى للمقاومات الفلسطينية والإسلامية (وأحرار العالم) ، وذلك من ناحية السرعة فى تشكل الشرط الضرورى لهدم الجدار حين ينخره التآكل الذاتى الداخلى، وعوامل الاهتراء والانهيار، ومتغير موازين القوى.
النص الأصلى: