حرروا هذه الفريضة من أسرها - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 5:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرروا هذه الفريضة من أسرها

نشر فى : الجمعة 2 ديسمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 2 ديسمبر 2016 - 9:30 م
قتل آلاف المدنيين فى تفجير برجى التجارة الأمريكيين فى 11 سبتمبر باسم الجهاد فى سبيل الله، وقتل المدنيون فى تفجيرات بوسطن ولندن ومدريد وجزيرة بالى بإندونيسيا باسمه، وقتل المدنيون المسلمون وغيرهم فى تفجيرات الرياض والرباط والدار البيضاء وشرم الشيخ باسمه أيضا، وخطف وقتل الشيخ الذهبى العالم الأزهرى الجليل باسمه.

وفجرت الميليشيات الشيعية مثل «عصائب الحق والحشد الشعبى وغيرها» مساجد السنة فى العراق، وفجرت داعش مساجد الشيعة باسمه كذلك، واغتيل العلماء مثل د/الذهبى والبوطى وفجروا فى المساجد باسم «الجهاد».

وذبح عشرات الجنود المصريين فى سيناء فى مذبحتى رفح الأولى والثانية باسمه، وذبح عشرات المواطنين المصريين المسيحيين فى ليبيا على يد داعش باسمه، وفجرت داعش المساجد فى السعودية والكويت والعراق باسمه.

وذبحت جماعة أنصار بيت المقدس 16 جنديا من الجيش المصرى وهم يفطرون المغرب فى مذبحة رفح الأولى باسمه، وذبحت 15 جنديا من الشرطة المصرية كانوا عائدين بالزى المدنى من وحداتهم غدرا وخيانة باسمه كذلك، وقتل المدنيون الفرنسيون على شواطئ نيس باسمه، وفجرت مديريات الأمن ومقرات الجيش المصرى باسمه.

والذين فجروا المستشفى العسكرى بصنعاء من أجل قتل أحد المسئولين اليمنيين ــ الذى اتضح غيابه ــ فقتلوا العشرات من المرضى والأطباء والممرضات، فعلوا ذلك باسم الجهاد.

والذين فجروا السياح الكوريين فى سيناء الذين لا ناقة لهم ولا جمل كانوا يعتقدون أنهم مجاهدون، وكل هؤلاء وأمثالهم ينسون أنهم يسيئون بذلك إلى الإسلام نفسه وإلى فريضة الجهاد، وأنهم يقدمون الإسلام إلى الناس بأسوأ طريقة، بحيث يكره الناس الإسلام وفريضة الجهاد أيضا.

إن ذلك العبث الشديد يستلزم علينا وعلى كل الباحثين تحرير هذه الفريضة العظيمة من أولئك الجهلة الذين اغتصبوها عنوة وأساءوا إليها وجعلوا الناس يكرهونها ويمقتونها وينسون جهاد النبى الحق الذى جاء رحمة للعالمين حتى فى جهاده ونضاله.

لا تحسبوا بالقهر قوم شعبه
لا.. لا.. أخلاقه غزت القلوب بنبلها
قبل استلال سيوفه ونباله

لم تتم الإساءة إلى فريضة من فرائض الإسلام مثلما أسىء إلى فريضة الجهاد فهو الفريضة المظلومة التى ظلمها أبناؤها قبل خصومها، وذلك بأن وضعوا السيف فى غير موضعه، فجعلوه فى المكان الخطأ والزمان الخطأ والطريقة الخطأ، فأساءوا إلى هذه الفريضة العظيمة أيما إساءة ومنحوا خصوم الإسلام فرصة العمر للإساءة لهذا الدين وهذه الفريضة التى حملت السيف دفاعا لا عدوانا، وحماية للأوطان لا بطشا بالمدنيين والمسالمين.

لقد أساء إلى هذه الفريضة أيضا خصوم الإسلام الذين أنكروها تماما ورفضوها بحجة إنها ليست من الإسلام، ناسين أن الحق لا بد وأن تحميه قوة عادلة وأن السلام العادل لا بد له من قوة تحافظ عليه، وأن نوازع الشر والعدوان من طبائع بنى البشر ولا يردع هذه النوازع إلا قوة حق تردع العدوان.

ولذا قال تعالى: «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ»، فاعتبر القرآن أن هذا الدفع والدفاع بكل الوسائل السياسية والعلمية والاقتصادية والعسكرية نعمة من الله على عباده الصالحين إذا استخدموها بالحق والعدل والرحمة دون ظلم أو بغى، ورغم إقرار الإسلام للحرب من خلال فريضة الجهاد، إلا أنه وضع سياجا من العدل والرحمة والإحسان، بحيث يحمى سيف الجهاد من البغى والعدوان.

والقتال ليس فخرا فى ذاته، فالوحوش فى البرارى تتقاتل ويصرع بعضها بعضا، ولكن الفخر أن تقاتل نصرة للدين ودفعا للعدو وفتنته عن الأوطان.

أما تفجير المدنيين وقتل المسالمين أو قتل بنى وطنك أو سفك الدماء المعصومة فيعد نوعا من أنواع البغى والظلم الذى لا تقره شريعة ولا يرضاه نبى بل تأباه القلوب السليمة والعقول السوية حتى وإن لم تتنزل به شريعة.

وقد قرر الفقهاء العظام أن الأصل فى كل النفوس العصمة، ولا يزول هذا الأصل إلا بدليل أنصع من شمس النهار، فنفس المسلم والمسيحى واليهودى والبوذى والمجوسى وكل الأجناس والأعراق معصومة بدليل إطلاق كلمة نفس فى القرآن «مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَمَا قَتَلَ النَاسَ جَمِيعا».

إن الجهاد فريضة مثل باقى الفرائض له شروط ينبغى توافرها قبل القيام بها، وله موانع يجب ألا تكون موجودة حتى يمكن إنفاذه، أرأيت لو أن امرأة حائضا أو نفساء صلت أو صامت، هل يتقبل الله منها صلاتها أو صيامها أم يرده عليها، حتى لو كانت نيتها التقرب إلى الله، ذلك لأن هناك مانعا يمنع من هذه الطاعة فى هذا الوقت.

إن العبث بالدماء واستسهال أمرها يعد فى غاية الخطورة، لا سيما إن كان يسيل الدماء ويهدرها بغير حق أو علم أو فقه ثم يظن أنها قربى إلى الله وزلفى إليه.

فالعاصى الذى يريق الدماء نادما آسفا باكيا وعالما أنها معصية، أهون من ذلك الذى يقتل ويفجر ويدمر ويغتال باسم الله أو باسم الشريعة، وتحت أسماء مثل «أنصار الشريعة»، أو ظنا منه أن ذلك يقربه من تحرير بيت المقدس، أو أنه ضمن «كتائب الفرقان» التى تفرق بين الحق والباطل، دون أن يدرى أنه يمزق أمته ويشل حركتها ويؤخر تقدمها ويستبيح دماءها ويعطى الذريعة تلو الأخرى للديكتاتورية والاستبداد والتعذيب وشحن آلاف الأبرياء إلى السجون بغير حق، فيزيد أمتنا رهقا وعنتا وتأخرا وتخلفا وظلما وقهرا.

اللهم اعصم دماء الناس جميعا وأنر بالحب قلوبهم، واملأها بالإيثار لا الأثرة.
التعليقات