السياسة الخارجية المصرية منذ 2014: الإخفاقات الخمس - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة الخارجية المصرية منذ 2014: الإخفاقات الخمس

نشر فى : السبت 2 ديسمبر 2017 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 2 ديسمبر 2017 - 8:35 م

فى مقابل خمسة نجاحات للسياسة الخارجية المصرية منذ 2014 تمت الإشارة إليها فى مقال الأسبوع الماضى، عانت سياسة مصر الخارجية خلال نفس الفترة من عدة إخفاقات وأهمها من معيار المصلحة الوطنية ـ على غموض المفهوم الأخير فى بعض الأحيان ـ العديد من التحديات خلال السنوات القليلة القادمة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن إخفاقات السياسة الخارجية أو نجاحاتها لا يتوقف فقط على تقييم أداء وزارة الخارجية المصرية، فالأخيرة بلا شك ضالعة فى عملية صنع قرارت السياسة الخارجية لمصر ولكن تشاركها ـ والحقيقة قد تتجاوزها فى بعض الأحيان ـ العديد من المؤسسات الأخرى وفى مقدمتها مؤسسة الرئاسة وتحديدا الرئيس شخصيا، وبعض المؤسسات الأمنية الأخرى ولا سيما تلك التى تضطلع بمهام المعلومات والاستخبارات، ورغم أن البرلمان دستوريا هو جزء من عملية صنع القرار الخارجى، إلا أن الفترة محل التقييم لم يلعب بها البرلمان دورا مؤثرا إما لأنه لم يكن قد تم انتخابه بعد لفترة زمنية من التقييم أو لأسباب أخرى متعلقة بمحدودية دور السلطة التشريعية فى مواجهة السلطات التنفيذية والأمنية. ورغم ذلك فإن بعض هذه السطور تقيم أداء وزارة الخارجية تحديدا كون أن الأخيرة هى أكثر المؤسسات المذكورة أعلاه شفافية وإتاحة للمعلومات.
***
هنا يمكن الحديث عن خمسة إخفاقات رئيسية:
سد النهضة: الحقيقة أن موضوع سد النهضة مثل إخفاقا لكل الفاعلين السياسيين منذ 2011، يستوى فى ذلك المجموعات الثورية التى تزعمت الزيارات الحنجورية الفاشلة المسماه بـ«الدبلوماسية الشعبية» والتى هى ليست أكثر من «فانتازيا» سياسية لجذب الأضواء التى أحدثت بعض الضجيج الذى لم ينتج أى طحين، والنظام السياسى الذى تزعمته جماعة الإخوان المسلمين، ولعل الاجتماع البائس الذى عقد فى قصر الاتحادية وتم إذاعته دون علم أغلب المشاركين فيه كان كاشفا عن العقلية التى أدارت الملف فى هذه الفترة بكل استهتار، ولم تختلف الأمور كثيرا حتى اللحظة، لم تنجح السياسة الخارجية المصرية سوى فى كسب بعض الوقت بعد 2013 ولكن دون أى تأثير.
السد يمضى قدما وليس لدينا أى معلومات موثقة حول الكيفية التى ستدير مصر بها هذا الملف، وباستثناء عبارة قالها الرئيس فى إحدى خطبه وفهمت منها أنه لا يمانع بناء السد لأغراض التنمية بشرط ألا يضر بحصص مصر من المياه، لكننا لا نعلم أى شىء عن الكيفية التى ستتصرف بها مصر لو تأثرت المياه وهو الاحتمال الأكبر حتى الآن!.
تيران وصنافير: كان هذا هو الإخفاق الثانى للسياسة الخارجية المصرية خلال تلك الفترة. الأمر كما ذكرت فى مقالة سابقة لا علاقة له بمفهوم الخيانة لكن له علاقة بالشفافية فى توضيح تفاصيل القرار وهو حق أصيل للناس من ناحية، وبتجاوز السلطة التنفيذية لحدودها مع السلطة القضائية من ناحية آخرى. أما عن كون الأمر لا علاقة له بالخيانة فهذا هو حكمى الشخصى بناء على معلومات أعرفها جيدا وتتعلق بقناعة راسخة لدى قطاع من العاملين فى وزارة الخارجية بأحقية المملكة فى الجزر بناء على وثائق يرون أنها كافية لدعم الموقف السعودى وهو ما اقتنع به الرئيس ودافعت عنه مؤسسات أمنية ومعلوماتية، كما أنى شكلت حكمى بناء على مراجعة بعض رسائل الدكتوراة فى القانون والتى أنجزها طلاب سعوديون فى بعض الجامعات الأمريكية وتضمنت إشارات إلى أن الجزر سعودية. وقد كتبت هذه الرسائل فى الثمانينيات والتسعينيات وفى مواضيع لم يكن محورها الحديث عن الجزر مما يعزز اعتقادى بحيدتها وخصوصا أنها خضعت للإشراف العلمى المحايد، ولكن عدم الخيانة لا يعنى صحة الموقف ولا العفو من التقصير! فالموقف الرسمى لم يكن صحيحا لأنه لم يتعامل مع المواطن المصرى باعتباره كامل الأهلية ومن حقه المعرفة وبالتالى فقد تم تمرير الاتفاقية تحت دعوى الثقة فى الرئيس! كما أن التقصير كان ولازال حاضرا لأن الحكم القضائى الذى استند بدوره إلى وثائق ودلائل قوية لها علاقة بمرحلة ما قبل إنشاء المملكة السعودية فى شكلها الحالى مطلع ثلاثينيات القرن الماضى لم يتم احترامه.
العلاقة مع المصريين فى الخارج: كان هذا هو الإخفاق الثالث منذ 2014، فالسياسة الخارجية المصرية لم تتمكن من استيعاب الاختلاف مع النظام السياسى بين المصريين المقيمين بالخارج وبالتالى فقد تم اعتبار المختلف عميل أو خائن أو إخوان، وفى بعض الحالات فقد تسببت بعض التقارير الصادرة عن بعض السفارات المصرية فى الخارج فى متاعب للكثيرين عند زيارة مصر، وفى المقابل فقد تقربت بعض البعثات الدبلوماسية من أشخاص بعينهم من المهاجرين المصريين المستقرين فى الخارج للحصول على دعم جاهز تم فى شكل احتفالات وكرنفالات ومهرجانات للمزايدة على المختلفين وهو أمر أثر بشدة على العلاقة بين المصريين فى الخارج من ناحية وبينهم وبين السلطة من ناحية أخرى، كما أنه جعل عملية التقارب بين المؤيدين المقيمين بالخارج وبين بعض البعثات الدبلوماسية عملية غائية انتفاعية بحتة يغيب عنها المعنى الحقيقى لحب الوطن.
الأداء الإعلامى: أما الإخفاق الرابع فقد تمثل فى الأداء الإعلامى المصاحب لقرارات السياسة الخارجية أو المتعلق بالردود على بعض التقارير الحقوقية أو الإعلامية التى تناولت الشأن المصرى. اتحدث هنا بوضوح عن الأداء الإعلامى للسيد وزير الخارجية، وأداء السيد المتحدث باسم وزارة الخارجية، فضلا عن بعض المكاتب الإعلامية فى الخارج. الأداء الإعلامى أولا كان دفاعيا وثانيا كان ضعيفا وثالثا والأهم أنه كان فجا فى بعض الأحيان. على سبيل المثال وليس الحصر، من حق الوزير أن يرفض وجود ميكروفون خاص بإحدى القنوات الإعلامية التى لا يراها محايدة، ولكن من غير المقبول ولا المستساغ أن يقوم بنفسه بإزاحة الميكرفون الخاص بها! من حق الخارجية أن ترد على بعض التقارير الحقوقية التى تتناول الشأن المصرى بما تراه ردا مناسبا أو حتى تكذيبا لبعض الوقائع الواردة فى تلك التقارير، لكن من المستغرب أن تكون الردود دائما شعبوية لتخاطب فى الواقع الداخل لا الخارج! ليس معقول أن يصدر تقرير حقوقى بتفاصيل وأرقام ومعلومات ووقائع فيكون الرد هو اتهامات عامة بالتحيز ضد مصر أو بالتحريض عليها أو بأسلوب «اشمعنى«! للأسف انعكس الأداء الشعبوى لبعض الإعلاميين المصريين على الأداء الإعلامى للمؤسسات القائمة على أمر السياسة الخارجية المصرية فكان الإخراج الإعلامى للسياسة الخارجية المصرية فى صورة رديئة للغاية.
طريقة اختيار السفراء: ويأتى الإخفاق الأخير للسياسة الخارجية المصرية فى السنوات الثلاث الأخيرة ممثلا فى طريقة اختيار السفراء، ورغم أن الأمر يبدو شأن مؤسسى داخلى بحت، إلا أن طبيعة عمل السفير كممثل للدولة المصرية وللمصريين فى الخارج تجعل اختيار السفير أمرا عاما ومؤثرا على معطيات السياسة الخارجية المصرية، كون أن رؤية السفير وتقاريره وتحليلاته إلى مصر، فضلا عن طبيعة شخصيته وعلاقاته فى الدولة المقيم فيها سواء مع المصريين أو مع المسئولين الأجانب تصنع صورة عامة عن مصر فى الخارج وتؤثر على علاقات مصر مع هذه الدول. ورغم أن التقاليد المصرية وباستثناءات محدودة للغاية فى اختيار الوزراء تقوم على اختيار السفير من العاملين فى السلك الدبلوماسى، إلا أن الآونة الأخيرة شهدت ضغوطا شديدة من خارج الوزارة فى عملية تقييم «ولاء» السفراء سواء من الموجودين فى الديوان أو الذين يرأسون بعثات مصر الخارجية، وهو ما تسبب فى بعض الارتباك والتأخير فى إعلان الحركة الدبلوماسية الأخيرة والأهم أنه قيد طريقة عمل السفراء وجعل بعضهم يمارس الرقابة الذاتية على نفسه وكلها أمور تحد من حركة السفراء وتقلل من قدراتهم الإبداعية على التواصل والتحليل والتوقع والأهم أنها أيضا تجعلهم يغربلون المعلومات فيختارون ما يقولونه وما لا يجب أن يقولونه، والأمر نفسه ينطبق على باقى أعضاء السلك الدبلوماسى فى الرتب الأقل.
فى ثلاث سنوات ونصف حققت السياسة الخارجية المصرية نجاحات معتبرة، ولكنها أيضا عانت من إخفاقات عديدة أثرت على كفاءتها وجودتها وألقت بظلالها على علاقتها بالمصريين فى الخارج، وكلها أمور لابد أن تتغير وتؤخذ فى الحسبان خلال السنوات القليلة القادمة.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر