فى أسبوع القاهرة الثانى للمياه قابلت سفير هولندا فى القاهرة واقترحت عليه أن تقيم السفارة يومها البرتقالى السنوى العام القادم فى حرم جامعة القاهرة وما حولها. أعجبته الفكرة وطلب منى إرسال بريد إلكترونى يشرح المقترح وهو ما فعلته بعد... بدأنا فى جامعة القاهرة فمن منتصف فبراير ٢٠١٣ تدريس مقرر دراسى عن العمارة والدراجات فى محاولة لفهم كيف يمكن أن نتعامل مع الدراجات بوصفها إحدى وسائل ما يسمى بالتنقل النشط. وركزنا فى جميع الدورات الدراسية الأربع حتى الآن على فكرة الربط بين محطات المترو وما حولها وخاصة فى منطقة جامعة القاهرة. والفكرة ببساطة تتبنى مفهوم الربط بين الدراجات ووسائل النقل العام غير الملوثة بيئيا والأكثر استدامة وهو مفهوم تدعمه عدد من الدراسات وخاصة تلك المهتمة بالاستدامة البيئية فى مجال التنقل اليومى. وبينما تركز تلك الدراسات على ما يطلقون عليه مشكلة «الميل الأخير» من رحلة المواطن والتى تتناول المسافة التى يجب أن يقطعها من محطة المترو مثلا وبيته نعتقد أن يمكننا أن نتوسع أيضا وبناء على تجارب قمنا بها لنصل إلى مسار للدراجات قد يصل إلى ثلاثة كيلومترات ويقطع بالدراجة فى نحو عشر دقائق. وبناء على الخريطة الأولى التى تربط مسارات المترو المنفذة والمقترحة (حتى الخط الرابع) والتى قمنا بعمل دراسة أولية عليها يمكن لهذا الربط (إن نفذ بصورة جيدة) أن يخفف من الوضع المتأزم للتنقل فى مدينة القاهرة.
***
يمكن بثقة الزعم بأن دخول العجل لمعادلة التنقل سيغير الكثير. فأولا ونظرا للتكلفة الكبيرة لإنشاء مترو الأنفاق فى القاهرة تتيح مسارات العجل فى إطار دائرة نصف قطرها أقل من ثلاثة كيلومترات من كل محطة مترو فى القاهرة تغطية لنسبة كبيرة جدا من سكان المدينة. يعنى ذلك ببساطة أن من يفضلون مثلا الآن وسائل أخرى كالسيارة الخاصة أو الميكروباص سيصبح المترو متاحا بالنسبة لهم وهو ما سيزيد بنسبة كبيرة من المستخدمين المستفيدين من المترو أى أن التكلفة النسبية لكل مواطن ستكون أقل. مثلا لو أن المستفيدين من المترو الآن مليونان يوميا وبعد تنفيذ مسارات الدراجات المدروسة بعناية سيصبح المستفيدون مثلا أربعة ملايين فهذا يعنى أن التكلفة النسبية ستنخفض كثيرا ونظرا لأن تكلفة مترو الأنفاق عالية جدا فإن تنفيذها يواجه مقاومة فى عدة بلدان وخاصة البلدان النامية. ولكن تعظيم عدد المستفيدين منه يعنى من وجهة نظر ما أنها ستصبح مقبولة بصورة أكبر. ثانيا يعنى عمل مسارات العجل الآمنة لمحطات المترو الاستغناء عن جزء كبير من السيارات الخاصة والميكروباصات ووسائل النقل الملوثة الأخرى وهو ما يعنى هواء أفضل للجميع ويعنى أيضا طرق للسيارات أقل ازدحاما لأولئك المضطرون لاستعمال السيارات. وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أهمية جودة الهواء لحياة صحية للإنسان وهو ما قد يعنى أيضا من ناحية أخرى تقليل بعض جوانب الإنفاق الصحى فى مصر. ثالثا يحتاج العجل لمسارات آمنة تفصله عن السيارات وأيضا عن المشاة وتصميم تلك المسارات كما توضح التجارب التى قمنا بها لا تحقق فقط الأمان لراكبى الدراجات ولكنها تسهم فى تنظيم وتحسين جودة الفضاءات العامة فى شوارعنا وهو ما أعتقد أننا نحتاج إليه بشده. كما تحتاج تلك المسارات لأشجار لتوفير بعض الظلال فى الصيف وهى أيضا ستساعد فى تحسين جودة الهواء والمساعدة فى مواجهة الآثار المحتملة للتغير المناخى. والشجر المقترح هو الشجر المتساقط الأوراق فى فصل الخريف وليس دائم الخضرة مثل المنتشر فى شوارعنا (والذى يوفر بيوتا رائعة للذباب). وكما أظهرت دراسات اقتصادية متخصصة أن تكلفة المواطن الراكب للدراجة أقل (على المدينة) من تكلفة راكب السيارة الخاصة بعدة مرات وهو ما يعنى أن من مصلحة كل مدينة اقتصاديا أن يقود الدراجات فيها أكبر قدر من السكان ولا أعتقد أن لدينا فائضا من المال نريد إنفاقه لدعم راكبى السيارات الخاصة التى تلوث البيئة.
***
يمكن ملاحظة تطور استخدام العجل كوسيلة للتنقل فى أنحاء مختلقة من العالم وخاصة فى هولندا والدانمارك كما تتحرك المغرب أيضا بصورة جيدة فى هذا المجال ولكن التعامل مع أى قضية تنموية كالتنقل يجب أن يوضع فى السياق المجتمعى والاقتصادى الخاص بنا. ولذلك نستخدم حرم الجامعة كإطار للتجارب والترويج واستنباط الأسس التى قد تعمل فى السياق الخاص بنا. فحرم جامعة القاهرة يحده من الغرب محطة مترو كما أن حرم الجامعة يتكون من مجموعات مختلفة وإن لم تكن متباعدة تماما مثل حرم كلية الزراعة وكلية الهندسة والمدينة الجامعية المتقاربين معا. كما يقع حرم كلية الطب والصيدلة بالقرب من محطة مترو السيدة زينب.
وقمنا فى السنوات الماضية بعمل تصميم على عدة مراحل يشمل تصورا ليس فقط أوليا ولكن أيضا تفصيليا للمسارات المحتملة وتصور للشوارع واضعين فى الاعتبار ما هو قائم وما به من عوائق. كما اقترحنا مسارا داخليا فى داخل الحرم الرئيسى للجامعة يتيح للطلاب والطالبات التنقل بالدراجات من محطة المترو لكلياتهم فى إطار أكثر أمانا ويمكن له أن يروج لثقافة ركوب الدراجات بصورة آمنة خاصة للطالبات. ونعتمد فى المقرر على معرفة مبنية على المعلومات الموثقة والدلائل العلمية وفى هذا الإطار قمنا بعمل استبيان لعينة من الطلاب لتقدير حجم الطلب المتوقع وبالتالى حجم انتظار العجل المطلوب كما قمنا من خلال معمل كلية الهندسة بقياس الغازات الضارة فى الهواء على طول المسار المتوقع وللمفاجأة جاءت النتيجة جيدة ربما بسبب وجود حديقتى الحيوان والأورمان ومزارع كلية الزراعة (للأمانة لم يكون جهاز قياس العوالق الدقيقة يعمل فى ذلك الوقت وهو أحد المقاييس الحاسمة). كما قمنا بقياس معدلات الضوضاء على طول المسار وهى تحتاج لعلاج مؤكد. كما نعتمد على الملاحظة لما يحدث فى الواقع ونقوم بقيادة الدراجات فى المسار المقترح كل أسبوع حتى نتفهم الواقع ونضع تصورا واقعيا للحل. ولى أنا شخصيا تجربة مع التنقل بالدراجة بصورة مستمرة من نحو ثلاث سنوات من كلية الصيدلة بجامعة القاهرة الواقعة بجوار محطة مترو السيدة زينب وحتى كلية الهندسة ولكنى لا أستطيع أن أدعو الجميع أن يحذوا حذوى لأنى أقدر الأخطار التى يحملها الهواء الملوث خصوصا لراكبى الدراجات والذين يعرضهم التنفس العميق المصاحب للنشاط البدنى المكثف لمخاطر أكبر من تلك التى يتعرض لها المشاة. أدرك أن هناك بعض التجارب والمحاولات جرت وتجرى لتوطين العجل كوسيلة للتنقل ولكنى أتمنى أن تكون تلك المحاولات مدروسة بالصورة التى تجنب المستخدمين المحتملين من المخاطر كما تساهم فى تنمية حقيقية للبيئة التى نعيش فيها.
رسم تخيلى لشارع الجامعة بعد عمل مسار العجل الآمن... رسم سامح سعيد ونهى الهادى
رسم تخطيطى للفكرة الرئيسية لربط محطات المترو بالجامعة نطاق... مسار العجلة يعادل حوالى ١٠ دقائق