ما زلنا مع الخلق الجميل الذى ضيعناه فأصبحنا بعيدين عن الإتقان والتفاهم والتعايش. ما زلنا مع الخلق الذى يحبه الله ورسوله ما زلنا مع الإحسان.
يسألنى البعض: «كيف نكون من المحسنين»؟، ويظن البعض أن الأمر صعبا وأنه غير ملموس، لكن كتاب الله وسنة رسوله الكريم فيها ما يجب أن نتعلمه ونفهمه حتى ندرك ما علينا فعله.
كيف نكون من المحسنين؟
جاء جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد أخبرنى عن الإسلام، فقال: أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: فأخبرنى عن الإيمان: قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: فأخبرنى عن الإحسان: قال: أن تعبد لله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
هل تستطيع أن تحسن بهذا الشكل، أن تصلى ركعتين لله وكأنه ينظر إليك وتنظر إليه: تعالوا لنجرب.. لم لا نجرب ذلك ونتذوق حلاوته، أن نعبد الله كأننا نراه، فإن لم نكن نراه نستشعر مراقبته الشديدة لنا فى كل خطوة ليس فى الصلاة فقط، لكن اعلم أنه عز وجل مطلع علينا فى كل لحظة من لحظات حياتنا فى كل حركاتنا وسكناتنا وأنا أضحك أو وأنا أبكى.. الله مطلع على.. الآن وأنا أتحدث إلى صديقى الله مطلع علىّ، الآن وأنا أدخل حجرتى لأنام الله سيأخذ روحى الآن، هل تستطيع أن تقضى يوما من عمرك محسنا فى كل شىء؟
انظر إلى والديك
يقول عز وجل: «وبالوالدين إحسانا».
جاء رجل للنبى صلى الله عليه وسلم، فقال: ــ يا رسول الله أبايعك على الهجرة والجهاد، فقال له النبى: هل من والديك أحد حى؟ قال نعم: بل كلاهما، قال: أتبتغى الآجر ؟ قال: نعم يا رسول الله قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتها».
هل تستطيع أن تحسن لوالديك بنية الفوز بالآجر؟.
خلق الإحسان ليس محدودا يا إخوتى أو له نهاية، كلما تزيد إحسانا وتطبق الإحسان فى كل ما تفعل كلما ترتقى عند الله، أنت لست مطالبا بشىء بعينه. ولينظر الأب إلى بناته،يقول النبى صلى الله عليه وسلم: « ما من رجل تدرك له ابنتان أو أخان فيحسن إليهما ما صاحبها أو صاحباه إلا أدخلتاه الجنة». كيف أحسن للبنات؟ ذلك فى طريقة معاملتك معهن، فى النصيحة لهن، فى إعانتهن على طاعة الله.
والآن ونحن نعيش القرن العشرين كيف ستحسن لابنتك ؟ أنصحك بأن تصادقها حتى لا تخفى عنك شئ، الكثيرات منهن يخدعن اليوم باسم الحب، اسمع منها واصبر عليها وأنا أرى أن هذا هو أفضل سبل الإحسان فى هذا الزمن الصعب الذى نعيشه.
أحسن إلى الناس فى تحيتك لهم، وكن محسناً فى جدالك، يقول الله تبارك وتعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(125)» سورة النحل.
أحسن فى الكلام، بأن تختار أرق الكلام إذا تحدثت، هل تستطيع وأنت خارج من المنزل أن تسأل والدتك «نفسك فى حاجة» بدلا من «عايزة حاجة؟» «فالرقة فى نبرة الصوت والكلمة الحلوة لم يكلفاك شىء. انظر للنبى صلى الله عليه وسلم فى اختياره للكلمات الحلوة .
كان أحد البدو يدعى «زاهر» وقد كان ذميما، وكان غليظا لأنه من البادية، فكان الصحابة لا يحبون التعامل معه كثيرا وينفرون منه إلا النبى صلى الله عليه وسلم كان يعامله برقة شديدة وكان يتودد إليه، فبينما كان النبى يمر فى السوق إذا «زاهر» يقف وسط السوق وكل الصحابة بعيدون عنه، لا أحد يقف معه، فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم من ظهره واحتضنه، فقال زاهر وهو ذو الشخصية الغليظة . من هذا ؟ أرسلنى، يقول الراوى: ففتح النبى ذراعيه، فاستدار فوجد النبى صلى الله عليه وسلم فاتحا ذراعيه، فيقول زاهر: «فما فرحت بشىء كملاصقتى لجسد النبى صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ النبى بيدى ووقف فى السوق يقول: من يشترى هذا العبد ؟ من يشترى هذا العبد؟ فيقول زاهر: إذن تجدنى كاسدا يا رسول الله، فيقول النبى: لكنك عند الله غال ــ أترون رقة الكلام، إن كنت كاسدا فى عالم الناس، فمقامك عند الله عظيما أيها الرجل .
إذن ما أحسن الكلام؟ أحسن الكلام الدعوة إلى الله. يقول الله تبارك وتعالى: «ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا». صدق الله العظيم، وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية بإذن الله.