هل تريد أن تربى أولادك؟ هل تريد وصفة تجعل من أولادك عظماء؟ بأحسن وسيلة تربية فعالة؟ هل تريد أن تؤثر تأثيرا غير عادى فى أولادك؟
كن قدوة.
اترك أولادك يرون أفعالك، لأنهم لن يتأثروا بأقوالك بقدر ما يتأثروا بأفعالك.
تذكر أنهم يستنسخون تصرفاتك فى عقولهم، ومثل ما تفعل يفعلون، وحركاتك وتصرفاتك أقوى من ألف درس دين، أقوى من ألف موعظة وموعظة، لأنه مهما نصحنا وقلنا مواعظ والبيت من الداخل خرب لا فائدة فى ذالك، ومهما الدنيا خربت من حولنا والبيت كما هو مستمسك وقوى فهناك أمل.
إن كنت تهين زوجتك، ويعلو صوتك عليها وتضربها، فتأكد أن أولادك عندما يكبرون لا يحترمون المرأة، وإذا كنت تدخن تأكد أن ابنك سيدخن السجائر أيضا، ثم المخدرات، وإذا كنت سريع الغضب ستجد ابنك يصنع تصرفات لا تليق بسنه كطفل، ولكنه يقلدك فى كل شىء، لأنك أنت بالنسبة له المثل الأعلى، إذن.. أيها الأب هل أنت مثل أعلى لأولادك؟... وما هى القيم التى تريد أن تعطيها لأولادك؟.. هل تريده عفيفا؟
وإذا كنت طائعا لله سبحانه وتعالى، وتعامل زوجتك بما يرضى الله، وعطوفا سيكون ابنك كذلك، ولا تطمح أن يكون ابنك صالحا إلا أن تكون أنت صالحا، كن صالحا يكن ابنك صالحا..
هل تريد أن تعلمه العطف؟.. أمامه ملجأ للأيتام، هل تريد أن تحببه فى صلاة الفجر؟.. اجعله يراك أنت وأمه تصليان الفجر أمامه..هل تريد أن تحببه فى العبادة؟.. اجعله يراكما وأنتما تصليان فى البيت جماعة، هل تريد أن تحببه فى الدعاء؟.. اجعله يراك أنت وأمه تدعوان الله..
أعود مرة أخرى للأب القدوة، الآن أمامك قطعة قماش جاهزة، تسمى «كل مولود يولد على الفطرة»، أنتم متخيلون كيف سنسأل يوم القيامة؟.. أنتم متخيلون ما هى قيمة القدوة؟.. والخامة هذه هى ابنك، تفعل فيها كما تشاء، نريد أن نستلمها منك بعد عشر سنوات لكى ندخلك بها الجنة، أى ربى ابنك كيف تشاء، ومثل ما تريد سيكون، علمت الآن؟.. أنا مثل أعلى لأولادى.
وكان (صلى الله عليه وسلم) خلقه القرآن، وكانوا يقولون إنه قرآن يمشى على الأرض، نعم نحن لن نكون هكذا، لأننا نخطئ، ولكن يمكننا أن ندارى أخطاءنا.
يحكى أن فتاة كان والدها يقول لها إن لديه سفرا للخارج ويسافر، وعملا فى الخارج ويسافر، ولكنهم علموا بعد ذلك أنه على علاقة غرامية بامرأة، وكان يسافر من أجل ذلك، وحدثت مشكلة كبيرة، وكان عمر الفتاة آنذاك تسع سنوات، وكان قد أغلق على الموضوع وستر عليه. ودارت الأيام وتزوجت الفتاة، وكان زوجها على خلق، والحياة سعيدة بدون أى شىء، ولكن إذا بزوجها يطلبون منه فى عمله أن يسافر للخارج، ولكنها رفضت وثارت عندها الفكرة القديمة عن أبيها لأنها محفورة فى ذاكرتها، وكان لا يستطيع أن يأخذها معه فى السفر وتصاعد الأمر لطلب الطلاق.
ابنك وابنتك فى بداية فترة المراهقة يريدون الشعور بالانتماء، ويقول علماء النفس إن الأبناء فى بداية فترة المراهقة يريدون أن ينتموا إلى جماعة، أى مجموعة، وهو يريدك أنت، ولكنه لا يجدك، الخامة التى ذكرناها ستكون مثل اللوحة، كل شخص ينقش عليها شيئا، فتصبح خامة مهلهلة، تخيل، هذا ينقش عليها بالأسود، والآخر باللون كذا، والكل يعبث لأنك غائب عنه، ولكن إذا رآك مثلا أعلى وإذا أخطأت هل تدارى على خطئك؟..
يقول عبدالله ابن عامر: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندنا فى البيت، فبينما نحن جالسون مع النبى (صلى الله عليه وسلم)، وأنا كنت طفلا آنذاك، قالت أمى: «ها...تعال لأعطيك»، فترك النبى الصحابة والتفت للأم، قال: «ما معكِ لتعطيه؟»، قالت: «يا رسول الله معى تمر»، قال «أما أنك لو لم يكن معكِ شئ تعطيه له لكتبت عليكِ كذبة»، وهذا المعنى كبير، لأنك تضع فى قاموس ابنك أول معنى لمعنى الكذب، وأنت تكذب مرارا وتكرارا فى اليوم، وهناك مثل سورى يقول (عد المائة، قبل أن تكذب أمام الناس ولكن عد المليون قبل أن تكذب أمام ابنك، لكن عد المليار قبل أن تكذب أمام الله). وإذا كنت تأكل المال من طرق غير شرعية، وتقول إنى جائع، أن تكون جائعا أهون مائة مرة من أن تسقط من عين أولادك.
نحن لدينا فى قرآننا مبدأ جميل وهو التفقد كما فى قوله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ...)(النمل:20)، وهذه الآية عن سيدنا سليمان يتفقد بها طائر اضعيفا، أى هو يتفقد الطير وأنت لا تتفقد ابنك، نعم إنه أساسا دور الأم، ولكنها لا تستطيع أن تتفقد كل الزوايا، لأن هناك زوايا فى فترات المراهقة لا يستطيع أن يراها إلا الأب، وليس للولد فقط، ولكن للفتاة أيضا، عندما تتزوج الفتاة زواجا عرفيا، أو يتعاطى الابن مخدرات، أين تفقد أبيهم هنا، الأب الذى بعينه يفهم ابنه، ويفهم ابنته، والمتفقد لصحتهم وبالتالى سيعلم إذا كانت مخدرات أم لا، الأب المتفقد للناحية العلمية، والمتفقد للناحية الإيمانية...يقول ابن عباس: كان النبى صلى الله عليه وسلم يدخل بيت خالتى ميمونة زوجة النبى عليه الصلاة والسلام، وأنا أبيت عندها، فيسألها «أصلى الغلام؟»، وسيدنا إبراهيم عندما وصى سيدنا يعقوب كما فى قوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة:132)، قال تعالى(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ...) (البقرة:133)، وليس معنى الأب المتفقد، أنك تسير مراقبا لكل حركات وسكنات أولادك ولا تجعل الفتاة تشعر بخصوصيتها، وهى كفتاة لابد أن تشعر بخصوصيتها، ولكن نريد الأب المتفقد بذكاء ولطف، «أدبى وأرفقى»، ولابد أن يتفقد الأب لمن يأتى ليتزوج ابنته، لكى يطمئن عليها حتى لو جاءت على حساب تأخير هذا الزواج.