عشية افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة كم من الضرورى أن يطرح لبنان بقوة، من خلال تحرك هادف للحصول على دعم المجموعة العربية والدول الصديقة، موضوع استضافة مركز لحوار الأديان والحضارات يكون تحت راية الأمم المتحدة.
وكان الرئيس اللبنانى العماد ميشال عون قد أثار هذا الأمر العام الماضى خلال لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة.
رغم السلبيات الكثيرة التى تحملها الطائفية السياسية فى لبنان فى إطار ما يعرف بالديمقراطية التوافقية القائم على التوافقية الطائفية، تلك الطائفية التى سهلت «حروب الآخرين فى لبنان»، دون أن تكون الأطراف اللبنانية بريئة منها، ورغم أن الوصول إلى مرحلة المناعة الوطنية يستدعى بناء الدولة المدنية أيا كانت العوائق والصعوبات التى تقف دون هذا الهدف.
فإن التنوع الدينى والمذهبى يبقى من أهم ميزات هذا الوطن الصغير وكذلك الانفتاح الثقافى على الخارج. انفتاح يعزز الهوية الوطنية ولا يضعفها كما يدعى البعض.
لبنان لعب دائما دور جسر تواصل وتفاعل خلاق بين عالمه العربى من جهة، والعالم الغربى بشكل خاص من جهة أخرى، على جميع الأصعدة، وأخص منها الثقافية والتعليمية والاجتماعية.
التنوع الذى ينعكس فى احترام الخصوصيات الهوياتية لكل مكوناته وحقها فى التعبير الجماعى عن ذاتها. التنوع الذى ينعكس فى العيش المشترك ليس كشعار بل كواقع مجتمعى.
كم نحن بحاجة إلى ذلك ونحن محاصرون بنيران حروب وصراعات ونزاعات مختلفة. ساهم فيها من جهة، أو تغذى عليها من جهة أخرى، الفكر الإلغائى، أيا كان العنوان أو الشعار الذى يحمله هذا الفكر أو يتغطى به.
التطرف والغلو والإرهاب كلها نتيجة صدام الجهالات كما يسميها المرحوم الأستاذ إدوارد سعيد أو صدام الأصوليات كما يذكرنا الكاتب طارق على أو صدام اللاثقافات كما يذكرنا وزير خارجية فرنسا الاسبق أوبير فيدرين.
نحن نعيش صدام المخاوف أو الفوبيات، صدام الأيديولوجيات الكلية من دينية أو دنيوية. إنه حوار من نوع آخر. حوار يقوم على إلغاء الآخر.
ولنتذكر أن الحضارات والثقافات والأديان لا تتحاور، بل إن أبناءها يتحاورون باسمها. والبعض منهم يصادر ما يعتبره حقا حصريا فى تمثيل هويته وفى التعبير عنها. وأجد أن من أهم أهداف مركز الحوار الذى نتطلع إلى إنشائه اليوم قبل غد هو تعزيز عملية التعرف على الآخر والعمل على إسقاط الصور النمطية والتحليلات الاختزالية والتبسيطية. وشرط ولوج هذا العمل هو القدوم إلى الحوار بعقل نقدى ومنفتح.
إن مركزا من هذا النوع يجب أن يكون بيت حوار لكل أصحاب القرار والرأى والتأثير، أيا كانت انتماءاتهم أو مواقعهم، وحذار السقوط فى مطب الحوار الرسمى القائم على تبادل اللياقات الدبلوماسية. المطلوب حوار بالعمق يشارك فيه أوسع شريحة من الممثلين لأوسع قطاعات من الرأى العام وصناع القرار.
إن هذه المشاركة الواسعة والمتنوعة، التى أسميها بدمقرطة حوار الثقافات، هى أفضل وسيلة للوصول إلى نتائج إيجابية ملموسة. ولا بد من التذكير دائما أن الاختلاف لا يعنى بالضرورة الخلاف. فالاختلاف هو انعكاس للتنوع الثقافى وهو مصدر إغناء وإثراء للحوار.
فى عصر الصراعات المفتوحة فى الزمان والمكان، إنشاء هذا المركز فى لبنان حاجة عربية وغربية ودولية للإسهام فى تعزيز ثقافة الحوار والتفكير على حساب ثقافة الإلغاء والتكفير.