منذ عدة سنوات قابلتنى باحثة لبنانية تجهز كتابا عن «التحولات الكبرى عام 1979» بالعربية والانجليزية وتنتوى نشره بأمريكا ولبنان فى الوقت نفسه، تحدثنا طويلا عن هذا العام الذى لم أهتم به إلا وقتها.
كانت تجهز كتابا يتفوق على كتاب الأمريكى كريستيان كارل الذى عنوانه «المتمردون الغرباء 1979 وولادة القرن الواحد والعشرين».
تحدثنا سويا عن أن عام 1979 كان عاما فاصلا فى مصر فى تكوين الجماعات الثلاث الكبرى فى مصر «الإخوان ــ السلفيون – الجماعة الإسلامية» وأنه العام الذى وقع فيه الرئيس السادات معاهدة كامب ديفيد والتى مثلت بداية حرق الأرض تحت أقدام السادات مشاركة بين اليساريين والناصريين والجماعات الإسلامية، ولكن الأخيرة كانت الأسرع للعنف والذى أدى لمقتل أفضل رئيس حكم مصر، والذى نقلها من عار الهزيمة إلى شرف النصر والكرامة، وبداية تصحيح المسار والانفتاح من جديد على العالم.
كلما هممت أن أكتب عن هذا العام الفاصل فى تاريخ العالم عامة والعرب خاصة تعوقنى المعوقات حتى تحولت الكتابات عنه إلى أفلام وثائقية، وكتب أخرى سارت على نفس المنوال.
الغريب أن كل التغيرات العالمية والعربية الكبرى تعود جذورها إلى هذا العام بالذات، ففيه نجحت الثورة الإيرانية وصعد الخومينى ورفاقه إلى سدة الحكم وبدأت نظرية «ولاية الفقيه» تحل محل «ولاية الأمة» على نفسها وازدواجية الحكم بين المرشد والرئيس، والجيش والحرس الثورى، وصناعة الميليشيات فى كل مكان والأخطر من ذلك بداية الصراع السنى الشيعى فى المنطقة وتمدد الإمبراطورية الإيرانية لتلتهم أربع دول عربية كاملة وتستعد لالتهام الباقى.
وفى هذا العام تم الاجتياح السوفيتى لأفغانستان الذى استمر عشر سنوات والذى اتبعه حشد أمريكا والغرب ومعهم معظم الدول العربية للمقاتلين العرب والمسلمين لقتال السوفيت فى أفغانستان وكانت هذه بداية تحويل أفغانستان إلى حاضنة كبرى للجماعات المتطرفة والإرهابية مثل القاعدة وغيرها.
بداية فكرة القاعدة وأخواتها كانت فى هذا العام وبعد جلاء السوفيت أصبحت أفغانستان مكانا لانطلاق العمليات الإرهابية الكبرى وأهمها أحداث 11 سبتمبر التى تبعها احتلال أفغانستان عشرين عاما أخرى، احتلال العراق.
وفى هذا العام صعد صدام حسين لسدة الحكم فى العراق لتبدأ فصول مأساوية بالحرب مع إيران أولا واستنزاف موارد البلدين ثم احتلال الكويت ثم تدمير واحتلال العراق وتسلميه كغنيمة باردة لإيران.
وفى العام صعدت رسول الرأسمالية العتيدة تاتشر لسدة الحكم فى بريطانيا وهزمت اليسار فى بريطانيا وأوروبا.
وفيه اعتلى البابا البولندى يوحنا بولس الثانى سدة الهرم البابوى وكانت زيارته لوطنه بولندا بداية الانهيار للكتلة الشرقية فى أوروبا والتى اكتمل انهيارها فى عشر سنوات لتخرج من عباءة الشيوعية والسوفيت وتدخل الحضن الأمريكى الغربى.
وفى هذا العام انتعشت كل جماعات الإسلام السياسية فى العالم متخذة من انتصار الثورة الإيرانية نموذجا لإمكانية نجاح الحشود الشعبية فى الوصول للحكم دون تريث حتى لسنوات لسبر غور الثورة الإيرانية التى كانت وبالا على الوطن العربى، ولفحص تجربة الثورات على الحكام ومدى جدواها.
وفى هذا العام حكم الصين الرئيس الإصلاحى دينغ شياو بينج الذى أخرج الصين من عزلتها وفتح أبوابها للاستثمارات الأجنبية وكان حكمه بداية صعود العملاق الصينى الذى لم يتوقف من ساعتها عن النمو والتمدد، وأنقذ الصين من الشيوعية والتخلف، ورد على الممثلة الأمريكية التى قالت له: إنها زارت الصين من قبل فبهرت بمنظر البروفيسور الجامعى وهو يزرع الخضار فقال لها: «مكان البروفيسور التدريس فى الجامعة وليس زرع الخضار» وقد عانيت من ذلك شخصيا.
وفى هذا العام حدثت محنة جهيمان الذى احتل الحرم المكى مع 400 من أتباعه فى مأساة دينية وإنسانية متصورا أنه المهدى المنتظر مئوّلا الأحاديث بطريقة سقيمة، وكان هذا مؤشرا واضحا على بداية التطرف والتكفير فى السعودية، واختراق الفكر المتطرف لها.
كل ما حدث فى عام 1979 جرّ ويلات كثيرة، فالقاعدة كانت سببا فى خراب أفغانستان والعالم الإسلامى، وبدء الحرب الأمريكية الغربية على الإسلام نفسه، لقد وضعت القاعدة الإسلام والمسلمين والعالم الإسلامى فى مواجهة مفتوحة مع الغرب لا يريدها ولا يرغبها وليس مستعدا لها.
أما احتلال أفغانستان فكان ضمن مآسى الاتحاد السوفيتى الكثيرة بما فيها نشر الشيوعية بقوة السلاح فى بلاد غير مهيأة للشيوعية والإلحاد مثل اليمن الجنوبى أو أفغانستان وغيرهما، وكذلك ثورة الخومينى التى قسمت العالم الإسلامى مذهبيا إلى شيعة وسنة متناحرين يوالون الإمبراطورية الإيرانية على حساب دولهم.
القرن الواحد والعشرون بدأ مبكرا حقا، وبدأ فى هذا العام الفاصل 1979.