إن الوقوف على تحركات أسواق المال العالمية والمحلية مسألة فى غاية الأهمية (حتى لغير المستثمرين) حيث إن حركة أسواق المال تعكس التوقعات المستقبلية التى تتنبأ بها المؤسسات المالية الكبرى للمستقبل وتوفر نافذة لرؤية المستقبل. فى السنة الماضية تعلمت أسواق المال التعايش والتفاعل بهدوء مع أخبار الكورونا السلبية لسببين: أولا قدرة التطعيمات على حماية الأفراد والحد من انتشار الفيروس.
وثانيا سياسات التحفيز الاقتصادى التى التزمت بها الحكومات لحماية الاقتصاد من الركود. ولكن الجمعة الماضية (26 نوفمبر) التى صادفت يوم الجمعة السوداء (اليوم الذى ينتظره الملايين حول العالم لشراء المنتجات بأسعار مخفضة واقتناص الصفقات) جاءت الأخبار من جنوب إفريقيا عن ظهور متحور كورونا الجديد (أوميكرون). وعلى الرغم من أنه ليس المتحور الأول ولكن أوميكرون تسبب فى صدمة عنيفة فى أسواق المال العالمية والعربية. صدمة لم تحدث مع المتحورات التى سبقته وأجبر المستثمرين على التصرف بشكل يعكس حالة من الهلع.
ولكن لماذا أحدث أوميكرون هذه الصدمة بينما لم تكن الحالة مثل مع المتحور دلتا؟
السبب الأول: سرعة انتشاره بمقاطعة جتوتنج بجنوب إفريقيا والتى تتضاعف فيها عدد الإصابات ثلاث مرات.
السبب الثانى: تركيبه الوراثى غير التقليدى والتغيرات التى يحملها أوميكرون الذى يتسبب فى تخوف من قدرة التطعيمات على اصطياده فى حالة العدوى حيث صرحت شركة مودرنا بأن التطعيمات الحالية ستعانى أمام أوميكرون.
وفى ظل تلك الأخبار المزعجة قررت العديد من الدول بشكل سريع إغلاق السفر مع البلدان التى ينتشر فيها أوميكرون على أمل ألا يتفشى المتحور الجديد فى العالم وكسب بعض الوقت لزيادة معدلات التطعيم وخروج علاج كورونا المنتظر. ولا نعرف ما إذا كانت تلك القرارات متأخرة أم لا فى ظل الإعلان المتواصل من الدول عن وصول أوميكرون إليها. وفى تلك الحالة قد تضطر الدول إلى فرض قواعد التباعد الاجتماعى وتقيد حركة الأفراد فى حالة ثبوت خطورة الفيروس.
تلك الأخبار السلبية وصلت أسواق المال العالمية يوم الجمعة قبل الماضية وترجمها المستثمرون بشكل سلبى للغاية. حيث انخفض مؤشر داوجونز بألف نقطة فى أسوأ يوم تداول خلال 2021. وانخفضت جميع مؤشرات البورصات العالمية من أمريكا لأوروبا حتى آسيا. أما أكبر الخاسرين فى تلك الجمعة السوداء كانت أسهم شركات الطيران وشركات تخطيط الرحلات وشركات السفن السياحية العملاقة. بينما كان أكبر الرابحين أسهم شركات فايزر ومودرنا وبقية شركات الأدوية ومع شركة كولاركس لمنتجات التعقيم حيث ارتفع سهم فايزر لمستويات قياسية مع إغلاق الجمعة وارتفع سهم شركة مودرنا بـ20% فى يوم واحد. وعلى مستوى السلع، خسر سعر البترول 11.5% من قيمته ليصل إلى سعر بترول برنت 72 دولارا بعد أن تخطى الـ80 دولارا من أسابيع قليلة. كما توقع الرئيس الروسى بوتين أن يصل السعر لـ100 دولار. أما فى المنطقة العربية مع فتح البورصات العربية يوم الأحد الماضى كان واضحا انتقال عدوى أوميكرون إلى الأسواق العربية حيث انخفضت مؤشرات البورصات العربية فى كل من مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين ومع حالة من البيع الهلعى. فى يوم الاثنين تفاعلت الأسواق بإيجابية وتعافت جزئيا مع تصريحات جنوب أفريقيا بأن أعراض أوميكرون قد تكون خفيفة وقد لا تستدعى دخول المستشفيات. لكن حتى تتضح خطورة المتحور الجديد، يبدو أن أسواق المال ستستمر بالمشى على طبقة جليدية رقيقة بين ارتفاع وهبوط.
إن قراءة تلك الأرقام والاتجاهات تعكس بوضوح دخول الكورونا مرة أخرى فى حسابات وتوقعات المستثمرين بعد حالة من التعايش مع الجائحة والتعافى الاقتصادى. ما تنتظره الأسواق بقلق الآن هو خروج أخبار إيجابية من المعامل ومراكز البحث حول مدى خطورة أوميكرون وفعالية اللقاحات فى مواجهته وأيضا كيفية تعامل الحكومات حول العالم مع المتحور الجديد. هل بالتعايش أم بالإغلاقات؟ حتى يتأكد ذلك فلنلتزم جميعا بإجراءات الوقاية والسلامة.