«لن نقدم اعتذارات حول نظامنا الضريبى الذى صُمم لتعزيز الوظائف فى اقتصادنا. نظام منفتح على الاستثمار الأجنبى منذ 50 عاما ولدينا نظام ضريبى متفهم لاحتياجات الاستثمار الأجنبى»، هكذا قال الوزير الأيرلندى ريتشارد بروتون فى إشارة إلى نظام الضرائب فى أيرلندا الذى طالما تعرض للانتقاد للسماح بالتجنب الضريبى، بالإضافة إلى عضوية الاتحاد الأوروبى، اعتمدت الحكومة الأيرلندية على معدل ضريبة متدنٍ كوسيلة لجذب الشركات العالمية حيث يصل معدل الضريبة فى أيرلندا إلى 12.5% وهو واحد من أقل معدلات الضرائب على الشركات فى الاتحاد الأوروبى (ففى فرنسا يصل إلى 28.4% وإسبانيا 25% وإيطاليا 24% وبريطانيا 19%) وفى بعض الأحيان تدفع الشركات أقل بكثير من هذا المعدل. وبفضل الحوافز الضريبية تمكنت أيرلندا من جذب أكثر من ألف شركة عالمية مثل جوجل ومايكروسوفت وأبل وفايزر.
واليوم وبعد أن فرغت خزائن الحكومات بسبب الأزمة الاقتصادية التى تسبب فيها وباء الكورونا وما تبعه من انخفاض فى الإيرادات الحكومية وزيادة العجز المالى الحكومى فى معظم الدول. قررت مجموعة الدول السبعة أنها لن تتسامح مع عملية التجنب الضريبى. وهى عملية تفادى الضرائب فى البلدان ذات الضريبة المرتفعة وتحويل الأرباح للبلدان ذات الضرائب المنخفضة أو صفر ضرائب مثل جزر الكاريبى. فى شهر يونيو من هذا العام، عقدت دول مجموعة السبعة اتفاقية تاريخية للحد من عملية التجنب الضريبى للشركات العالمية ووقف التنافس الخاسر بين الاقتصاديات فى تخفيض الضرائب أكثر فأكثر على الشركات العالمية وينتهى الأمر بأن الشركات العالمية تخدع العالم ولا تدفع أى ضرائب تذكر على أرباحها.
اتفقت دول مجموعة السبع على أمرين. الأمر الأول هو حق الدول فى تقاسم الضرائب على أرباح الشركات العالمية الكبرى مثل فيسبوك وجوجل وتوتير على أساس حجم الإيرادات التى تحققها الشركة فى كل دولة، بدلا من النظام الضريبى القائم على أن الدول المقر هى الدول التى لها حق فى فرض الضرائب. وبناء عليه سوف يكون لمصر على سبيل المثال الحق فى فرض ضريبة على أرباح الشركات العالمية مثل أبل أو فيسبوك حتى إن لم يكن لها مقر بمصر. حددت مجموعة السبع 100 شركة عالمية سيطبق عليهم هذا الإصلاح الضريبى وعلى كل شركة أن تعلن إيراداتها المحققة فى كل دولة على حدة.
الأمر الثانى الذى اتفقت عليه دول مجموعة السبع للحد من التجنب الضريبى هو وضع حد أدنى عالمى لمعدل الضرائب على الشركات العالمية يعادل 15%. وفى نفس الوقت لا يستدعى موافقة جميع دول العالم وتحديد الملاذات الضريبية والتى سوف تعارضه بالتأكيد. كيف؟ تخيل أن بعض الدول رفضت أن ترفع مستوى الضريبة على الشركات إلى مستوى الـ 15% وأن هناك شركة أمريكية تدفع أقل من 15% ضريبة فى جزر الكاريبى، حسب الاتفاقية سوف يكون من حق الحكومة الأمريكية فرض ضريبة على الشركة بحيث يصل مستوى الضريبة المحصلة من الشركة إلى 15% على الأقل. وبالتالى لن تجد الشركات الدافع الكافى لتحويل الأرباح إلى الدول المنخفضة الضرائب لأنه سيتم تحصيل ضريبة الـ 15% فى الدولة الأم إذا لم تدفعها بالخارج. بالتأكيد خبر سيئ للملاذات الضريبية والتى سوف تكون أمام اختيارين لا ثالث لهما إما رفع الضريبة على الشركات العالمية لمستوى الـ 15% أو سوف تحصلها حكومات الدول الكبرى فى المقر!
كيف ستستفيد مصر من تلك الاتفاقية؟ أولا سوف يكون لها الحق فى فرض ضرائب على 100 شركة عالمية كبرى. قدرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأن إجمالى ما سوف تحصله دول العالم من 100 شركة سوف يتراوح ما بين 5 مليارات دولار إلى 12 مليار دولار. وبالنظر إلى حجم الاقتصاد المصرى فى الاقتصاد العالمى، تشير تقديراتى أن تجنى مصر ما بين 20 إلى 40 مليون دولار سنويا. أضف إلى ذلك سوف يكون لمصر الحق فى تحصيل ضرائب على الشركات المصرية إذا ما استغلت الملاذات الضريبية للتجنب الضريبى فى مصر.
أرى أن الاتفاقية خطوة لجعل العالم أكثر عدالة مع إدراك أنها سوف تعود بالنفع بالأساس على الدول المتقدمة وبدرجة أقل بكثير على الدول النامية. لكن أن تخرج من المولد ببعض الحمص خير من أن تخرج من المولد بلا حمص!.