صفقة القرن إلى أين؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 12:18 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صفقة القرن إلى أين؟

نشر فى : الإثنين 4 مارس 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : الإثنين 4 مارس 2019 - 11:50 م

صار مؤكدا أن موعد إطلاق صفقة القرن الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية سيأتى غداة الانتخابات الإسرائيلية فى مطلع الشهر القادم. جاريد كوشنر المستشار الخاص للرئيس ترامب والمسئول عن هذا الملف أعلن عن الأسس الأربعة لهذه الصفقة وهى الحرية والكرامة والأمن والازدهار الاقتصادى. جاء هذا الإعلان وهو فى بداية جولة جديدة خليجية وتركية هذه المرة بغية توفير الدعم السياسى والمادى لهذه الصفقة. ويبدو أن من أهم أسباب ضم تركيا هو علاقاتها الخاصة مع حركة حماس وذلك رغم الحساسيات التى يثيرها هذا الأمر، بسبب الخلافات التركية حول السياسات الإقليمية والعلاقات مع طهران، مع أطراف عربية أساسية يعول عليها الأمريكيون بغية توفير الدعم السياسى والمادى لهذه الصفقة. الهدف الأساسى لهذه المبادرة أو صفقة القرن حسب أصحابها هو إسقاط آخر الحواجز بين العرب وإسرائيل بغية تعزيز التعاون الاستراتيجى الشامل ضد إيران عبر إدماج إسرائيل فى المنطقة وتطبيع وضعها الإقليمى مع ما يحمله ذلك من تغيير أساسى فى المشهد الاستراتيجى الشرق أوسطى. واشنطن تريد إحداث مقايضة كبرى، حسب رؤيتها لطبيعة الصراعات فى المنطقة بين توفير الأمن والدعم للعرب الذين هم فى حالة صراع مفتوح مع إيران وهو ما يندرج كليا فى المصلحة الاستراتيجية الأمريكية العليا كما حددها الرئيس ترامب مقابل ثمن سياسى ومادى كبير جدا لهذا الدعم وحسب الشروط الأمريكية بالطبع. ولا بد من التذكير بأن واشنطن تطرح بقوة إلغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وإسقاط صفة لاجئ عن كل من لم يولد فى فلسطين قبل قيام إسرائيل ودمجهم حيث هم أو فى دولة ثالثة. أضف أن المطلوب أيضا عبر تبنى الموقف الإسرائيلى هو أن يدفع العرب تعويضات إلى اليهود الذين غادروا الدول العربية إلى إسرائيل بعد عام 1948. ذلك جزء من «المقايضة الكبرى» الأمريكية.
***
عناصر ثلاثة تشجع واشنطن على المضى فى هذا الطريق المسدود فى النهاية.
أولا: حالة التفكك العربى والفلسطينى وغياب الحد الأدنى الفعلى وليس الإعلامى أو الكلامى، من التوافق العملى حول كيفية التعاطى مع هذا النزاع بغية تسويته كليا.
ثانيا: نظرة أمريكية جد تبسيطية واختزالية وتشويهية لطبيعة النزاع ولطبيعة منظمة القيم التى تؤثر فيه وتشكل ضوابط على الحركة فى إطاره، بشكل خاص على الصعيد العربى والتى وإن تغيرت بعض عناصرها وسقطت بعض المحرمات السياسية بشأن خطوات تطبيعية مع إسرائيل وتغير الأولويات فى اللحظة الراهنة وتراجع بعض هذه «المحرمات» كقيود نسبية تقوم على فكرة التضامن الذى فى حده الأدنى. فإن عناصر أخرى ليست أقل أهمية مثل تصاعد دور ووزن الهوية الإسلامية بأشكالها وتعبيراتها الإسلامية المختلفة وموقعها كمصدر مشروعية سياسية رئيسية للكثير من الدول العربية تشكل عنصر تقييد وضغط على أصحاب القرار العربى لا يسمح لهم فى حدود معينة من الخروج عن هذه المسلمات المعبرة عن شرعية هوياتية وعقائدية وسياسية بدرجات مختلفة حسب كل طرف. وأفضل الأمثلة فى هذا المجال مسألة القدس ومحاولة جر العرب للقبول بالقدس كعاصمة أبدية موحدة لإسرائيل ورد الفعل الرسمى الرافض لذلك من أطراف أساسية راهنت عليها واشنطن للقبول بهذا التحول فى بنية النزاع وتسويته.
ثالثا: إن هنالك التباسا أمريكيا بشكل خاص بين التخلى السياسى العربى بسبب أولويات إقليمية ضاغطة عن الملف الفلسطينى ووضعه على الرف السياسى بعيدا عن هذه الأولويات وما تستدعيه من مخالفات وسلوكيات أسقطت بعض ما كان محرمات سياسية من جهة وتحمل العرب لتكلفة إلغاء أو إسقاط كلى للقضية الفلسطينية واختصارها وكأنها مسألة اقتصادية تنموية يقضى حلها تحسين الوضع المعيشى للفلسطينيين ومنحهم سلطات أكثر من حكم ذاتى وأقل من دولة سيادية على بعض أجزاء من الأراضى المحتلة وليس القبول والعمل على توفير الحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى وحقه فى دولة طبيعية أسوة ببقية الدول.
فلا يمكن للدول العربية المحاصرة بين التطرف الأصولى الدينى والقومى الإسرائيلى وبين التربة الخصبة لانتشار الأصوليات فى المنطقة العربية طالما لم تعالج فى العمق مسببات هذا التطرف الناشط فى العالم العربى وفى ظل الأوضاع الداخلية والخارجية التى تعيشها وتلك المناخات «العقائدية» القائمة والتى يمكن توظيفها ضد سياسات معينة فيما لو اعتمدت من طرف دول عربية إن تذهب إلى نهاية الشوط فى الإسقاط الكلى للقضية الفلسطينية وفى القبول بتشويهها وتفكيكها وتحويلها إلى مسألة تنموية ومدخل لتكامل اقتصادى عربى إسرائيلى قائم على القبول وعلى احترام التطرف القومى والدينى الإسرائيلى كواقع موضوعى: صفقة عنوانها بعض الخبز للفلسطينيين مقابل الأمن والاستقرار والازدهار لإسرائيل.
***
فى ظل هذا الإطار تطلق «رسائل» عربية بعضها خجول وبعضها واضح حول عدم القدرة أو عدم الرغبة ولو لأسباب مختلفة بعدم تخطى خطوط حمراء قائمة بشأن القضية الفلسطينية منها القدس واللاجئون كما أشرنا. فالقبول كمعطى واقعى بالأصولية الإسرائيلية سواء كانت قومية استراتيجية أو دينية والفرق بسيط بين الاثنين يشكل رافدا أساسيا للتطرف فى المجتمعات العربية ولو بعناوين مختلفة عن الماضى ونتائج ذلك خطيرة على استقرار المجتمعات العربية وعلى الأمن الوطنى والإقليمى لدولها.
وللتذكر ببعض هذه الرسائل إعادة التأكيد بشكل متكرر عربيا على موقع القدس وأهميتها عربيا وإسلاميا والتذكر بمبادرة السلام العربية ولو المجمدة سياسيا منذ إطلاقها فى بيروت عام 2002 أو التأكيد على سبيل المثال فى البيان الصادر عن القمة العربية
الأوروبية فى شرم الشيخ بالأسس والمرجعيات الدولية المعروفة والمتفق عليها والتى استقرت عبر الزمان لتحقيق السلام الشامل والدائم والعادل: المرجعيات التى تقوم على قرارات الشرعية الدولية التى أسقطتها أو تجاهلتها صفقة القرن بشكل شبه كلى.
الوضع العربى اليوم يراوح بين عدم المضى فى تفعيل سياسة ضرورية لتسوية النزاع العربى الإسرائيلى من جهة وعدم القدرة أو الرغبة بسبب المخاطر العديدة التى أشرنا إليها فى إسقاط أسس هذه التسوية المتفق عليها أمميا وعربيا من جهة أخرى.
فى ظل هذا الوضع يصبح من شبه المستحيل على واشنطن تمرير صفقة القرن بسبب الانعكاسات والتداعيات السلبية التى تحملها ولو فى أوقات وأشكال مختلفة على أصدقاء وحلفاء واشنطن من العرب. الصداقة والتحالف لا يمكن أن يعنيا القبول بالانتحار السياسى بسبب جهل الحليف أو تجاهله لثوابت قيمية مستقرة فى السياسات العربية ضعفت أو تغيرت طبيعة التعبير عنها وغابت عن جدول الأولويات العربية السياسية الضاغطة.
وللتذكير بحقيقة عالمية موضوعية فإن قضايا الهوية لا يمكن إلغاؤها بصفقة اقتصادية أو بناء على توازن قوى فى لحظة معينة خاصة من النوع الذى تقدمه صفقة القرن أو كما سميناها فى الماضى بصفعة القرن.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات