نشرت صحيفة الاتحاد مقالا للكاتب محمد عارف وجاء فيه:
«وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب»، أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.. وما أجملها من تحية للعلماء فى عام جديد لا تصنعه الثورات ولا الحروب ولا السياسة.. بل العلوم. فعام 2019 تحمله أكثر العصور علمية فى التاريخ، حيث معظم ما يستخدمه الناس فى حياتهم اليومية اكتشفته وطورته العلوم، التى تقوم الآن باستكشافات كونية، ليس فى الفضاء، بل فى مختبرات فيزياء على الأرض. تجارب اختراق حاجز الضوء، كما فى مركبة المسلسل الفضائى «ستارترك»، تتحدى أشهر معادلات «أنشتاين» فى القرن العشرين، والتى تقول إن «الطاقة تساوى الكتلة فى مربع سرعة الضوء» E=mc2. تستكشف هذه الأبحاث «الطاقة المعكوسة»، ويديرها رئيس «معهد أبحاث الذرة» فى «جامعة المكسيك الوطنية»، وهو إسبانى تبدو أصوله عربية من لقبه «الكبير». وذكر محرر الفضاء فى «نيويورك تايمز» أن علماء وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» يعملون أيضا فى موضوع «الطاقة المعكوسة»، التى قد تمدُ «سَحابا»، كما فى السروال، ينفتح على الكون.
وسلام على علماء يطورون مصلا يقى من جميع الأوبئة، وهم يقتاتون على موازنات «شد الحزام»، فيما تُنفق التريليونات على زملائهم الذين يطورون أسلحة الدمار الشامل. فأروع الاكتشافات العلمية العثور على «جينات» ورثها البشر عن تزاوجهم مع أقرب الكائنات الحية إليهم، سلالة «النياندرثال»، التى عاشت فى القارة الأوروآسيوية، الممتدة من العالم العربى، وآسيا الوسطى، وحتى شمال أوروبا. وفى التزاوج مع «النياندرثال» الذين اندثروا قبل 40 ألف عام، ورث البشر جينات عززت مناعتهم ضد «فيروسات» لم يكن لها وجود فى موطنهم الأصلى أفريقيا، التى غادروها قبل 70 ألف عام. نشرت نتائج هذه الاكتشافات المجلة العلمية (Cell) وأهميتها ليست محض تاريخية، بل تساعد على تطوير عقاقير للحماية من أوبئة فتاكة، مثل «الإيدز» و«الهربس» و«الإنفلونزا».
وسلام على روح طبيب الأعصاب وعالم النفس الفلسطينى الراحل على كمال، الذى خلفَ لنا نهاية القرن الماضى ثمانية مجلدات رائدة فى اكتشاف أوضاع علوم النفس والعقل الحالية. لكن كيف أفسر لكم؟.. ستفهمون الأقل بعد تفسيرها، وكل ما أرجو إفهامه لكم، هو الحوادث فقط، وليس الذى حَدَثَ، «والناس الذين لم يحدث لهم شىء أبدا، لا يستطيعون فهم عدم أهمية الحوادث». هذه عبارة الشاعر «إليوت» والتى افتتح بها على كمال مجلده «النفس»، ولا تزال تُعبر عن وضع علم النفس فى العام الجديد. فالآمال، التى أثارها علم النفس البيولوجى لم تثمر بعد فى تفسير انحرافات الدماغ، التى تسبب مختلف أنواع العلل العقلية، ولا يتوقع تحقيق ذلك خلال حياة الأجيال الراهنة. فالحلول تستدعى تعزيز العلاقة بين الباحثين، وبين الناس الذين يعانون هذه العلل، حسب عالم النفس الأمريكى «ستيفن هايمن». ومؤلفات العالم الفلسطينى، الذى مارس الطب طوال حياته مع الناس، حاولت «سد الفراغ القائم بين التجربة النفسية والمادية، وترجمة الواحد إلى الآخر عبر التكوين العصبى للدماغ».
وبعد أربعة عقود فى تغطية مؤتمرات علمية وقمم سياسية، حول المناخ العالمى، من قمة زعماء العالم فى «ريو دى جانيرو» بالبرازيل، و«قمة الغذاء العالمية» فى روما، و«قمة المستوطنات البشرية» فى إسطنبول.. عدتُ إلى نقطة البداية لمناقشة صحة نظرية تغير المناخ العالمى. «جيمس هانسن»، أكثر العلماء ضجيجا وتحذيرا فى تسعينيات القرن الماضى من كارثة وشيكة تُغيرُ المناخ العالمى، يقول الآن: «أشعر بالتعب من أناس يعتقدون بحتمية وقوع الكارثة»، ويتحدث عن «إمكانية تجنب أخطر نتائج الكارثة إذا كنا قادرين على أن نصبح أذكياء»!.. وتتفق معه «كيت مارفيل»، الباحثة فى «ناسا»، والتى تؤكد «من المفيد ذكر عدم وجود برهان على حتمية الكارثة»!.
الاتحاد ــ الإمارات