ولد السيد المسيح فى بيت لحم بفلسطين المحتلة، وشرفت به هذه البلاد العظيمة التى اكتسبت هى والقدس شرفها من وجود الأنبياء فيها مثل داود وسليمان وزكريا ويحيى فضلا عن «آل عمران» وهم أسرة المسيح عليه السلام.
منعت إسرائيل هذا العام كل المسيحيين وكنائسهم فى بيت لحم من الاحتفال بعيد ميلاد رسول السلام، ونشرت القتل والتخويف والاقتحامات فى هذه الأرض المقدسة.
واعتقلت أربعة آلاف فلسطينى فى الضفة الغربية وقتلت المئات فيها، أما غزة فقد ارتكبت فيها إبادة جماعية فقتلت أكثر من عشرين ألفا وجرحت أكثر من 50 ألفا معظمهم من النساء والأطفال ودمرت 70% من منازل غزة.
هيرودس كان أرحم من نتنياهو، فالأول لم يملك أدوات الإبادة الجماعية التى تمتلكها إسرائيل الآن ولم يقتل فى بيت لحم مثلما قتلت إسرائيل فى فلسطين خلال سبعين عاما.
ما أجمل أن نردد مع الأخوين رحبانى كلمات الأنشودة الرائعة «زهرة المدائن» التى نعت القدس والتى ستظل خالدة وهى أفضل أغنية عن القدس حتى الآن وغنتها فيروز تأثرا باحتلال إسرائيل القدس عقب نكبة 5 يونيه عام 1967 ويقول مطلعها:
«الطفل فى المغارة/ وأمه مريم/ وجهان يبكيان/ يبكيان/ لأجل من تشردوا/ لأجل أطفال بلا منازل/ لأجل من دافع واستشهد فى المداخل/ واستشهد السلام فى وطن السلام/ وسقط العدل على المداخل».
القدس التى عشقتها العذراء مريم وقضت معظم حياتها تتعبد بها، محتلة الآن ويذوق سكانها الفلسطينيون والمسيحيون الويلات ويحرمون من أبسط حقوق الإنسان.
القدس من القدوس سبحانه، منه اشتق اسمها، هى مدينة السلام، هى مثوى الأنبياء، وقبلة الصالحين، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، وموطن المرابطين إلى يوم الدين.
أصل دعوة المسيح وأساسها «الحب» ومن هنا جاء شعاره الأثير «الله محبة» فمن أحب الله أحب كل شىء، حتى مع الذين آذوه وحقدوا عليه، ونالوا منه.
وقد أبدع العقاد حينما قرر «أن شخصية المسيح عليه السلام لم تثبت وجودها التاريخى وجلالها الأدبى كما أثبتتها بشريعة الحب والضمير» شريعة الحب أسمى وأعلى من شريعة الواجب وبها يتحول الألم إلى فرحة ومجد، ويتحول أداء الواجب إلى متعة، ويتحول العطاء من مهنة ثقيلة إلى سعادة، وتحب الإحسان أكثر من العدل، والفضل أكثر من الواجب.
شريعة الحب هى التى تزيل من النفس دعاوى الكبر والغرور، شريعة الحب تجعلك تحب للآخرين مثلما تحب لنفسك، ولا تنتقم من خصومك إن تمكنت منهم، شريعة الحب تجعلك لا تفرح فى مصائب خصومك، وترجو لهم الخير أيضا.
ولكن شريعة الحب غابت عن دنيا الناس، ومدرستها الحقيقية لا تكاد توجد إلا نادرا ومعظم مدرسيها الحقيقيين غابوا أو انكسرت ظهورهم ومعنوياتهم.
مدرسة الحب هزمت فى دنيا الناس، أصبحت فى غيبوبة، هرب روادها، غاب تلاميذها، ضاع أساتذتها، وبقيت شريعة الكراهية والتدمير والإبادة الجماعية، فها هم أحفاد الأنبياء ورعايا الأنبياء فى الضفة والقدس وغزة يعتقلون ويقتلون ويشردون، 4 آلاف معتقل فى الضفة والقدس، و20 ألف شهيد فى غزة كلهم من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين، 50 ألف جريح هناك من هذه الأصناف أيضا، وهدم آلاف المنازل، شريعة الغاب عادت إلى الدنيا عامة وفلسطين خاصة.
سبعون عاما من العذاب والجوع والفقر والعوز والإبادة والتهجير مرت على الشعب الفلسطينى دون ذنب جناه.
سلام عليك سيدى المسيح فى يوم مولدك، سلام عليك فى الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين، لا عزاء لقتلة الأنبياء وأحفادهم، ولا عزاء للجبناء، والمجد للشهداء فى أرض فلسطين.