تراجعت قوة «الحروب» السورية على الأرض، ولو أنها قد تشهد تصعيدا «مقيدا» فى المكان والزمان هنا وهناك. وبدأ التغيير الأساسى الحاصل، ولو البطىء فى التنفيذ فى قواعد اللعبة الجديدة، التى من أبرز مظاهرها القبول من الخصوم الدوليين والإقليميين للنظام فى سوريا أن العملية السياسية، عبر آلية اللجنة الدستورية سيشارك فيها النظام، وأن الإشراف الفعلى على العملية سيكون من نصيب مجموعة سوتشى المكونة من روسيا وتركيا وإيران.
استقرت معادلة قوامها أن النظام لم يخسر الحرب ولكنه لم يربح السلام. سيشارك النظام فى صنع السلام، ولكن ضمن أفضل سيناريو قد يتصوره فى ما يتعلق بالسلام فى المستقبل، لن يكون الوضع كما كان قائما قبل عام 2011.
فى سياق قواعد اللعبة الجديدة، دعا وزير الخارجية الفرنسى لإقامة اتصال وحوار بين «ثلاثى» سوتشى والمجموعة الخاصة بسوريا المكونة من دول عربية وغربية. نشهد اليوم تطبيعا «تدريجيا»، وبسرعات مختلفة، عربى ودولى مع النظام فى سوريا، وحديث جدى عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وتوقيت هذه العودة كأن تحصل قبل القمة العربية فى تونس أو خلالها.
فى ظل هذه التحولات الحاصلة نرى صراعات عسكرية وسياسية حول سوريا:
1. صراع إسرائيلى ــ إيرانى: من أبرز مظاهره ازدياد كثافة وحجم الهجوم الإسرائيلى الجوى على القواعد الإيرانية وحلفاء إيران فى سوريا بهدف منع تعزيز هذا الوجود العسكرى الإيرانى والحليف لإيران فى سوريا وتحت عنوان إسرائيلى تدعمه واشنطن، وهو عدم تحول سوريا إلى «لبنان آخر». مخاطر هذا الصراع أنه قد يمتد إلى لبنان بشكل أو بآخر فى إطار تصعيد المواجهة بين الطرفين. من الوهم التفكير أنه يمكن إخراج إيران «كليا» من سوريا عبر العمل العسكرى، الذى يبقى رسالة فى جميع الاتجاهات للتفاوض اللاحق ضمن صيغ مختلفة حول حجم الوجود الإيرانى فى سوريا الغد. وكل خصوم وأعداء إيران يتفقون فى أن تقييد وتحجيم النفوذ الإيرانى فى سوريا يمر عبر البوابة الروسية.
2. توتر إيرانى روسى لم يعد مخفيا. وإذا «سكت» الإيرانيون عن التفاهم الروسى الإسرائيلى فيما يتعلق بجنوب غرب سوريا، وتحديدا فى الجولان، بغية إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011. لكن الغضب الإيرانى انفجر مع الصمت الروسى تجاه الهجمات الإسرائيلية وعدم الرد عليها بشكل أو بآخر من قبل روسيا فى سوريا.
لم يسكت الروس عن هذا الأمر، إنما وجه الروس رسالة إلى إيران عبر نائب وزير الخارجية قوامها أن «روسيا ليست حليفة لإيران فيما يتعلق بوجودها فى سوريا وأن أمن إسرائيل إحدى أهم الأولويات الروسية». إنها بداية انكشاف الاختلاف فى الأهداف مستقبلا بين «الحليفين» الروسى والإيرانى فى سوريا: حليفان فى الدفاع عن النظام.
3. استياء روسى من تركيا فيما يتعلق بعدم احترام هذه الاخيرة للتفاهم حول إدلب، وقلق من تصريحات تركيا بشأن هدف الإمساك بشرق الفرات تحت عنوان محاربة «الإرهاب» الكردى محاولة إقامة وتعزيز منطقة نفوذ تركى فى شمال وشرق سوريا. وهنالك اجتماع تنسيقى تركى روسى بغية حل الخلافات حول إدلب.
4. قلق واستياء عربى خاصة من طرف «الرباعى» العربى بشأن محاولة تركيا تحت عنوان إقامة منطقة آمنة فى شمال سوريا، عبر إحياء اتفاق أضنة لعام 1998 بين تركيا وسوريا العمل على «تتريك» أمنى وسياسى مفتوح على مجالات أخرى لمنطقة الشمال السورى. روسيا تريد من خلال الدعوة إلى تفعيل هذا الاتفاق تشجيع تطبيع العلاقات السورية التركية، فيما تشجع الأكراد للحوار مع النظام فى دمشق.
5. ازدياد حدة الصراع الغربى العربى مع إيران عشية انعقاد مؤتمر وارسو تحت عنوان مواجهة إيران والمسرح الأساسى لهذه المواجهة يبقى سوريا، فيما تدعو مجموعة دول سوتشى إلى اجتماع لها فى الوقت ذاته لإطلاق المسار التفاوضى فى سوريا.
رسائل متبادلة وتقاطع وصراع مصالح: إنها حروب تقاسم قالب الحلوى السورى مستقبلا. هى لعبة الأمم التى دفع ويدفع السوريون ثمنها: ثمن لعنة الجغرافيا السياسية التى كرسها الموقع الاستراتيجى الجذاب لبلدهم.