نحن على موعد فى شهر مايو القادم مع استحقاقين خطيرين، ولو اختلفت درجة الخطورة بينهما، يحملان احتمالات مختلفة من توتر ذات مستوى جد مرتفع، قد تؤدى سخونته ومحاولة البعض توظيفه إلى حرب مفتوحة أو إلى أعمال قتالية محدودة.
استحقاق ثالث ولو أنه غير مرتبط بتاريخ معين يندرج فى سياق حامل لتصعيد سريع قد يؤدى إلى انفجار وحرب خاصة أنه يرتبط بالاستحقاقين الأولين، تأثرا وتأثيرا بشكل مباشر وغير مباشر، من حيث سباق صراع النفوذ وصدام الاستراتيجيات فى «لعبة الأمم» فى الشرق الأوسط.
• الاستحقاق الأول
يتعلق بانتهاء فترة المائة وعشرين يوما فى ١٢ مايو التى أعطاها الرئيس ترامب لحلفائه وخصومه، عندما مدد تجميد العقوبات على إيران، كفرصة أخيرة من أجل إبرام اتفاق ملحق بالاتفاق النووى يعالج ما تعتبره الولايات المتحدة ثغرات جسيمة فيه، مهددا بالانسحاب من الاتفاق إذا لم يتم ذلك.
الاتفاق صار حقيقة قانونية وسياسية دولية قائمة بذاتها، وإيران تتمسك به كما هو، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا الاتحادية والصين الشعبية. ويبدى الحلفاء الثلاثة للولايات المتحدة وهم فرنسا وبريطانيا وألمانيا قلقهم من الموقف الأمريكى ويحاولون فى مباحثات جانبية مع إيران بلورة صيغة تفاهم بين المطالب الأمريكية من جهة والموقف الإيرانى المتمسك بالاتفاق من جهة أخرى.
الخوف كل الخوف من أن يعاد فتح هذا الملف الخطير وتعريض ما تم إنجازه لاحتمال حصول توتر إقليمى كبير وشامل يغذى توترات قائمة فى شرق أوسط يعيش على صفيح ساخن.
انسحاب الولايات المتحدة وإسقاط الاتفاق النووى فى المضمون وإن لم يكن فى القانون قد يدفع إيران إلى الخيار الكورى الشمالى؛ خيار بناء ترسانة نووية. ذلك كله سيؤدى إلى صدام حاد مع طهران، فيغذى حروبا قائمة أو يؤدى إلى حروب أخرى بالوكالة فى النقاط الساخنة الممتدة من اليمن إلى سوريا. يزيد فى درجة التوتر المطالب الغربية للبحث فى موضوع الصواريخ الباليستية التى طورتها طهران وهو موضوع تعتبره الأخيرة أنه خارج أى موضوع تفاوضى مع الغرب. إنه موضوع سيزيد من سخونة المواجهة الأمريكية الإيرانية القادمة، كما أن الموضوع النووى سيحدث إرباكا دون شك بين واشنطن وحلفائها الغربيين فى الاتفاق وسيحدث علاقة توتر مع الشريكين الروسى والصينى فى الاتفاق ذاته. صحيح أن السيناريو العسكرى الأمريكى الإيرانى المباشر غير قائم ولكن التصعيد الأمريكى لفرض عقوبات على إيران قد يدفع بالأخيرة للرد فى أماكن أخرى؛ خاصة أن هناك نقاط تماس عديدة بين حلفاء واشنطن من الدول العربية وإيران فى عدد من بؤر الصراع القائمة والتى قد تزداد اشتعالا بسبب الملف النووى.
***
• الاستحقاق الثانى
يتعلق بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى ذكرى قيام دولة إسرائيل بتاريخ ١٤ مايو. رمزية اختيار التاريخ ستزيد من الاحتقان ودرجات التوتر على الصعيدين الفلسطينى والعربى ولو أن الموقف العربى الرسمى سيستمر فى سياسة الإدانة والتحذير والرهان على ما سيطلقه الرئيس الأميركى من مبادرة سلام فلسطينية إسرائيلية. الهدف من هذه المبادرة ليس التوصل إلى حل على أساس احترام حقوق الشعب الفلسطينى التى شكلت مرجعية دولية استقرت كمعطى أساسى للتسوية النهائية ولو أن موازين القوى لا تسمح بفرضها على أرض الواقع. إن الهدف الفعلى والعملى للمبادرة الأمريكية هو تغيير الأولويات فى المنطقة واستعمال «ورقة التسوية» كجسر عبور ولو فى الحد الأدنى الممكن نحو تطبيع إسرائيلى عربى تحت عنوان البحث عن سراب السلام.
قد تقوم إيران فى إطار مواجهتها لسياسة الولايات المتحدة وحلفائها العرب بمحاولة استغلال وتوظيف المنسوب المرتفع من التوتر والغضب واليأس وغياب أى أفق فعلى للسلام، لتشجيع العودة إلى «الورقة» العسكرية عند الطرف الفلسطينى من خلال تشجيع تسخين الحدود بشكل خاص بين قطاع غزة وإسرائيل وفتح الباب أمام تصعيد إسرائيلى والدفع نحو خلط الأوراق نتيجة لسياسات التصعيد والصدام فى هذا الإطار.
***
سياق آخر قد يعزز الانفجار عبر إحدى بوابتى التوتر المشار إليهما يتعلق بالخط التصاعدى الذى اتخذته المواجهة الإيرانية الإسرائيلية فى سوريا. فإسرائيل تصر على وضع خطوط حمر أمام بناء قواعد عسكرية لإيران وحلفائها فى سوريا، فيما تعمل إيران على بناء وتعزيز مناطق نفوذها فى المسرح الاستراتيجى السورى قبل أن تحل لحظة التسوية وتقاسم مناطق النفوذ فى سوريا بين القوى الدولية والإقليمية الفاعلة على هذا «المسرح».
قد تحاول إسرائيل فى تصعيد حربها ضد إيران وحلفائها الاستفادة من مناخ الصدام الأمريكى العربى مع إيران فى حرب قد لا يبقى لبنان فى منأى عنها. كما قد تلجأ إيران من جهتها إلى تصعيد عسكرى لخلط الأوراق وقلب الأولويات عبر الصراع فى المسرح السورى.
ما قد يساعد على حصول هذه الصدامات أو على الأقل ما قد لا يردع حصولها ازدياد حدة المواجهة الأمريكية الروسية ومستوى التوتر فى العلاقات بين الطرفين الذى نشهده اليوم الذى يذكرنا بلغة الحرب الباردة. إن الفترة الزمنية المتبقية حتى تاريخ هذه الاستحقاقات هى بمثابة جرس إنذار فى سباق بين ولوج منطق التسويات الكبرى والشاملة وبين الانفجار الذى يطال مصالح الجميع.