الصداقة وطن - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 6:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصداقة وطن

نشر فى : الأحد 5 مارس 2023 - 7:05 م | آخر تحديث : الأحد 5 مارس 2023 - 7:05 م

المساء موحش بعض الشىء ربما هى حالة هذه الفترة من اليوم فى كل بقاع الأرض ولكنها هنا تبدو أكثر وحشة، فقد عُدت للتو للبحث بين بقايا صور (مدركا أن الرائع حنا مينا هو أول من شدك للتعبير) وتنفض غبار تراكم لسنين فوق طبقات الذاكرة المزدحمة فليست ذاكرة الآلة الكاتبة فقط هى التى تصاب بتزاحم المواد بل ذاكرة الإنسان التى تملأها الذكريات وكثير من الأحداث المتلاحقة وبعض الفرح!
• • •

لا يزال المساء موحشا وأنت تنبش الذاكرة فى زوايا المنزل أو أركان المدينة التى تعرفها وتغيرت بفعل هذا وذاك وربما كثير من قلة التخطيط.. حتى الرائحة تأتيك من هنا وهناك تذكرك بهم؛ بمن رحلوا بعيدا وآخرين ابتعدوا ولم يرحلوا أو هم قريبون ولكنهم أكثر بعدا من الموتى الحاضرين دوما!!! هناك كثيرون يعيشون حيوات متعددة بعد موتهم وآخرون ينتهون مع كومة من الرمل فوق شبر من الأرض.
• • •

تكثر أسئلتهم وهى كثيرة من دون تفاصيلك الجديدة ــ القديمة، كيف ترى نهاية العمل وإلى أين تتجه وماذا ستفعل و.. و..، علامات كثيرة كلها استفهامية وأنت لا تملك أية إجابة على ربع تلك التساؤلات ومع ذلك تستمر فى الابتسامة محاولا إقناع نفسك أن السؤال علامة من علامات الاهتمام بك وبمصيرك وخوفا عليك وعلى ماضيك ومستقبلك بل وقدراتك العقلية.. نعم ألم يفقد فلان وفلانة عقلهم أو أصيبوا بمرض الموضة الزهايمر؟
• • •

كلما كثرت الأسئلة، توقفت أنت لتؤكد لنفسك معهم أن حق التخطيط للحياة والمستقبل مهم للإنسان، ثم تلتفت حولك لتبحث عن شخص منهم يقوم بالتخطيط الفعلى سوى تلك الحفنة من البشر التى أتقنت وتتقن تخزين المال فالقرش الأبيض لليوم الأسود، قالوا هذا فقط ما أبرع بعضهم فى التخطيط له، أما كل الأمور الأخرى فدع الخلق للخالق أو اترك قدرك لله فهو خلقك وبالطبع سيأتيك بالرزق وبالخير وبالفرح وبالسعادة والصحة أيضا، نعم مطلوب جهة أعلى تعمل كوزارة متكاملة للمواطنين والمواطنات فيما حكوماتهم تتخلى عنهم تدريجيا وتتركهم فريسة سهلة للمرابين والفاسدين وعابرى الحدود والمهربين بأسماء مختلفة والمرتشين حاملى الألقاب والمناصب والمنافقين، من الضرورة أن لا ننساهم فهذه أكثر المهن انتشارا فى هذه المرحلة، والكذابين الذين يعيدون الكذبة حتى يصدقوها هم فيما كل البشر تنظر لهم إما بنظرة السخرية أو الغضب!
• • •

تبحث بين الصور والروائح والزوايا عن ذاك الذى يقال عنه وطن فتضيع أو يضيع هو فى تفاصيله الجديدة وكثير منها لا يشبهك ولا يشبهه هو.. كيف تصبح الأوطان مجرد مراكز تجارية وأوتوسترادات ومطاعم، نعم كثير من المطاعم فهى علامة من علامات التمدن بل التحضر كما يرونه أهل النفط ومن مثلهم! ولكنك لا تيأس ألم يعلمونك فى الصف الثانى أو الثالث أو الرابع الابتدائى، لا تتذكر الآن القول «لا يأس مع الحياة» نعم كرروه حتى حفظته «صم» وعن ظهر قلب فتحول إلى كليشيه يردده الكثيرون دون إدراك أو وعى بمعناه أو تفسيره أو ارتباطه بواقع مقيت ومظلم بعض الشىء.
• • •

فقط هم الصديقات والأصدقاء الذين يبقى بعضهم كما كانوا قبل سنين فى لحظة الفراق تلك.. تلتقون وهم معك تعملون على ترميم الماضى عبر إعادته حتى كوب شاى الحليب أو ساندويتشات الجبنة المحمصة ببعض أو كثير من الزبدة المعتقة وبعدها فنجان قهوة بالهال وما بينها كثير من «السوالف» القديمة التى خزنتموها فى ذاكرتكم بل متحف أو مخزن الصداقة.. تفتح تلك الجلسات فضاءات لذكريات تعيد بعض جمال الوطن الذى كان وتعود لك ولهم ضحكة الطفولة ببراءتها فيما تصورتم أنكم نسيتموها مع كثرة الهموم والمشكلات والانتكاسات وخيبات الأمل فى الوضع العام أو الخاص.
• • •

يرحل الأصدقاء ولكن تبقى صورهم بل يعملون على إرسال مزيد منها، تضحك كثيرا على تسريحات الشعر واللبس بين الفتيات والصبيان عندما كان الفكر الاشتراكى والمساواة والقيم والمثل هى من تحرككم، وإلا فكيف رفضتم الإسراف على حفل زواج وهناك من يموتون جوعا فى إفريقيا بينما اليوم هز زلزال أرض سوريا وتركيا وأنزل المنازل على سكانها واستمر، هم وآخرون، مثلهم فى حفلاتهم وبذخهم وما بينهما يرسلون بضعة دولارات للمتضررين ويستمرون فى حفلات البذخ.
• • •

يفقد الوطن بريقه بل يبعد حتى تصير سائرا خلف سراب ويبقى الأصدقاء والصداقات هى وطنك ربما فى مثل هكذا زمن.

كاتبة بحرينية

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات