السودان فيه 200 مليون فدان لا يزرع منها سوى قرابة 64 مليون فدان فقط، ويملك سادس أكبر ثروة حيوانية فى العالم، لديه احتياطى ذهب يبلغ 1550 طنا واحتياطى فضة يقدر بـ 1500 طن، 5 ملايين طن نحاس ويستحوذ على 80% من إنتاج الصمغ العربى الذى يدخل فى مئات الصناعات الدوائية المهمة يتم تهريب واحتكار معظمه من شركات أجنبية، لديه عشرات المعادن النفسية، ويورانيوم وغيره.
كل هذه الخيرات والسودان يئن من الفقر والعوز والحاجة وتدنى الخدمات فى كل المجالات، حتى إن أحد المعتقلين قال لى: الخرطوم كانت تنقطع فيها الكهرباء 18 ساعة يوميا فى الثمانينيات أما هذه الزنزانة فالكهرباء والمياه موجودة فيها باستمرار، وكان فى سجن طرة.
المسلمون فى كل مكان كانوا يصلون ويصومون ويتعبدون ويتزاورون ويتصالحون فى أواخر شهر رمضان المعظم، والسودانيون يتصارعون على السلطة، ويقتل بعضهم بعضا، ويدمرون ما تبقى من خير فى هذا البلد الطيب.
كلما طالعت الفيديوهات التى تمثل الواقع السودانى والصراع الحالى على السلطة بين البرهان وأعوانه وحميدتى وأعوانه أشعر بالغثيان والضيق الشديد، أين السودان الذى نعرفه، أين الشعب السودانى الطيب.
صراع سلطة على الحطام وعلى الفقر والجوع والتخلف، هل هذه كراسى تستحق الصراع عليها «إنها الإمارة ولو على الحجارة»، يريدون سلطة على بلد محطم منهار من كل النواحى رغم امتلاكه لإمكانيات طبيعية هائلة.
اليابان ليس لديها أى مورد طبيعى من الذى يملكه السودان ووصل للقمة وكذلك سنغافورة ودبى، وكوريا الجنوبية، الأخيرة أنتجت قرابة خمس سيارات رائعة، أما حكومات السودان المتعاقبة بما فيها هؤلاء لم ينتجوا لشعوبهم سوى الفقر والتأخر والتخلف والضعف والهوان والتمزق وتقسيم البلاد والانتقال من فتنة لأخرى.
لو كان عند هؤلاء ذرة من تواضع وزهد الفريق سوار الذهب ما حدثت هذه الفتنة للسودان، قابله مرة مفكر مصرى فوجده جالسا كأى مواطن عادى فى أحد المطارات قال له: كيف طاوعتك نفسك لتترك السلطة وهى فى قبضتك، وأجريت أنزه انتخابات وسلمت السلطة لغيرك؟ قال الأمر بسيط وسهل! قال المفكر فى تعجب: كيف؟ قال: هذا ليس حقى، ولا أملكه فكيف آخذ ما لا أملك.
هناك آلاف القتلى الآن فى الشوارع، أكثرهم سودانيون، وقلة من الوافدين بعضهم من مصر الحبيبة، الغريب أن مناطق الصراع انقطعت فيها كل الخدمات وهى أصلا سيئة فى السودان ــ فانقطعت الكهرباء والمياه والإنترنت وتوقفت المخابز والمتاجر وكل مظاهر الحياة الأخرى.
أكبر خطأ وقع فيه الرئيس عبدالناصر فى الخمسينيات هو القبول بفصل السودان عن مصر وهذه كانت بداية الانهيارات السودانية المتعاقبة، والتى أدت فيما أدت إليه فصل جنوب السودان الغنى بالموارد الطبيعية والثروات المعدنية، وهذه كارثة تسبب فيها الرئيس البشير التى ترك السودان فى أسوأ حالاته.
السودان لم يرد الجميل لمصر فى هذه الأحداث بل أظهر وجها قبيحا وخاصة من هذه الميليشيات القذرة، وعندى اعتقاد راسخ منذ زمن الطويل أن الميليشيات والمجموعات المسلحة أسوأ اختراع على وجه الأرض لأنها تمثل زارعة للفوضى والقتل والفتن والسرقة والابتزاز، وأن أسوأ شرطة فى العالم هى أفضل ملايين المرات من أفضل ميليشيا، ولذلك توكل للميليشيات كل الأعمال القذرة، كما قامت ميليشيا الكتائب بمذبحه صابرا وشاتيلا، وكل المذابح الأخرى قامت بها ميليشيات.
قاعدة لا يحمل السلاح سوى الجيش والشرطة هى أعظم قاعدة تضبط مسيرة واستقرار وأمن البلاد والعباد، وإذا تم الإخلال بهذه القاعدة لن يجنى العباد والبلاد سوى الخراب والفتن.
صراع السلطة فى السودان سيؤخر السودان معنويا وسمعة وتاريخا واقتصادا وسياسة وعسكريا، السودان سيرجع إلى الخلف عشرات السنين بعد أن كان قد أمضى بعض الخطوات نحو الأمام واستقطبت جامعاته الخاصة طلابا كثيرة، فإذا به يعود للخلف بسرعة مذهلة.
اللهم ارحم السودان وشعبه وضيوفه، اللهم احقن دماء كل الناس على أرض السودان، وتحية لمصر وقيادتها التى أعادت أبناءها جميعا بأمن وسلام وسرعة وعصمت دماءهم وأعادتهم لأسرهم وأهلهم سالمين.