منذ أسابيع قليلة نشرت كلية العلوم بإحدى الجامعات الحكومية الكبيرة تهنئة لأحد أعضاء هيئة التدريس على صفحتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي على ترقيته من درجة مدرس مساعد إلى درجة مدرس، إلى هنا فالخبر عادي ولا يستحق الذكر لأنه غالباً أمر يحدث لكل عضو من الأعضاء يحصل على ترقية أو جائزة، الغير عادي هو الكم الكبير من التعليقات المستنكرة والمهاجمة وعدد التفاعل على هيئة وجه غاضب الذي يتعدى المائة وثمانين ألفاً مما دفع الكلية إلى غلق التعليقات على الخبر والجامعة إلى فتح تحقيق، هناك عدة ملاحظات نريد أن نناقشها بخصوص هذا الحدث وعامة بخصوص العلاقة بين الطلاب والأساتذة.
أولاً الكثير من التعليقات (أنا طبعاً لم أقرأ كل تلك الألاف من التعليقات) لم تكن من طلبة هذا المدرس، بل أناس متضامنون معهم وقد ذكروا ذلك صراحة، هؤلاء المتضامنون قد يكونوا طلاباً قد عانوا من شدة بعض الأساتذة فتعاطفوا مع طلاب المدرس الذي نتكلم عنه، لذلك فعدد التعليقات الغاضبة مبالغ فيه، هذا الجانب في صالح المدرس. الأمر الآخر هو أنني حاولت أن أجد تعليقاً إيجابياً عن المدرس فلم أجد. ما معنى كل هذا؟
منذ عدة أسابيع تكلمنا عن مفهوم الراجل الطيب في الحياة الأكاديمية وقلنا إن هذا ليس دائماَ شيئاً إيجابياً، فأنت لو أعطيت محاضرات قصيرة وسمحت للطلاب بالحضور متأخرين أو الانصراف مبكراً أو عدم الحضور أساساً وأعطيتهم درجات مرتفعة مهما كانت إجاباتهم أو مشاريعهم فسيحبونك وسيتكلمون عن إنسانيتك وأنك قدوة إلخ، لكن في الحقيقة ستكون أستاذاً فاشلاً لأنهم لم يتعلموا منك شيئاً. إذاً الشدة التامة سيئة والطيبة المفرطة كارثة.
لكن كيف نحكم على أستاذ أنه طيب أو شديد؟ الوسيلة الأساسية هي رأي الطلاب في أساتذتهم كما تكلمنا في مقال سابق، في هذا المقال السابق حللنا نفسية الطلاب وكيف يؤثر السن على الرأي إلخ فلن نكرر الكلام هنا، لكننا سنركز في هذا المقال عن الأساتذة أنفسهم وكيف يستفيدون من أراء الطلاب.
أولاً لا يجب على الأستاذ أن يحزن إذا كانت هناك آراء سلبية وذلك لسببين: السبب الأول أن بعض الطلاب قد يكتبون آراءً سيئة لحصولهم على درجات قليلة أو لصعوبة المادة الدراسية أو لشدة الأستاذ "في بعض الأحيان"، لكن هذا الرأي السلبي يتحول لرأي إيجابي عندما يلتحقون بسوق العمل ويحسون أنهم متفوقون في عملهم بسبب ما تعلموه من هذا الأستاذ فيرسلون لها رسالة شكر.
السبب الثاني يرتبط بمن من الطلاب يكتب رأيه؟ في العادة الاستبيان الذي يعطى للطلاب يكون اختياريا، والطالب الذي يكره الأستاذ بشدة هو من سيكتب رأيه السلبي أم السواد الأعظم من الطلاب فلن يبالوا.
لذلك أناشد الإدارة في الجامعات بجعل الاستبيان إجباريا.
الأستاذ لا يجب أن يكون شديداً بحيث يبدوا بلا قلب ولا يجب أن يكون طيباً بحيث يصبح بلا فائدة، لكن كيف يتم ذلك التوازن؟ مثلاً على الأستاذ أن يقبل الأعذار المتعلقة بالأمور الأسرية، نعم هناك طلاب ستستغل ذلك لكن من الأفضل أن تخطئ في قبول العذر على أن تخطئ في رفضه.
الصرامة الشديدة تنفر الطلاب والهزل طوال الوقت تفقد الأستاذ احترام الطلبة، بعض الفكاهة أثناء المحاضرة مفيد، بل أن هناك أبحاثاً في علوم التربية عن دور الفكاهة في قاعات المحاضرات. آراء الطلبة في الأستاذ ستبرز تلك النقطة وعلى الأستاذ أن يعدل في طريقته سواء بالزيادة في الصرامة أو في الفكاهة.
بقيت نقطة أخيرة قد تساعد الأساتذة في تحسين طريقة تدريسهم وهي رأي الأساتذة في بعضهم، من الممكن جداً حتى وإن كان بطريق غير رسمي أن يسأل الأستاذ واحداً أو أكثر من زملائه أن يحضر محاضرة أو أكثر له ثم يعطيه رأيه بدون مجاملة، أو يمكن للأستاذ أن يقوم بتسجيل محاضرته ويعرضها على عدة أساتذة ويعرف رأيهم.
همسة صغيرة في أذن الأساتذة ولنفسي أيضاً: لا تظن أنك لكونك تعمل في مجال التدريس لعشرات السنين أنك امتلكت العلم من أقطابه في مجالك فقد يأتي طالب صغير ويسألك سؤالاً لا تستطيع الإجابة عليه، لا تحزن ولا تخجل من قول "لا أعرف" بل ستعطي لطلابك درساً في التواضع ثم درساً آخر في التعلم المستمر حين تعطيهم الإجابة عن هذا السؤال في المحاضرة التالية مع الثناء على هذا الطالب.