كان يوم 3/7/2013 هو يوم إعلان وفاة ونهاية الفرصة الرابعة التى أتيحت للحركة الإسلامية المصرية.. وقد كانت أغلى الفرص وأثمنها.. فقد وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم والرئاسة وسيطر الإخوان على معظم مفاصل الدولة سوى الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية السيادية التى فشلوا فى احتوائها أو استقطابها أو إقناعها بمشروعهم وطريقتهم فى الحكم.
وفى مثل هذه الأيام من العام الماضى أضاعت الحركة الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمون أثمن فرصة أتاحتها ثورة 25 يناير وما كانت لتتاح لها لولا هذه الثورة.. ولكنها ما لبثت أن عادت إلى نقطة الصفر من جديد أو ما هو أدنى من ذلك وتعرضت لنكبة من أكبر نكباتها.
وإذا استعرضنا الفرص الثلاث السابقة فهى كالآتى باختصار :
الأولى: فى الأربعينيات قبل الشيخ البنا عرض النحاس باشا بالتنازل عن ترشحه للبرلمان فى مقابل إطلاق حرية الدعوة للإخوان دون عوائق وكانت مصر وبريطانيا وقتها مشغولتين بالحرب العالمية الثانية.. وبلغت دعوة وقوة الإخوان أوجها داخل مصر وخارجها.. ووصلت إلى كل بيت.. وافتتحت شعبة رسمية فى كل قرية.. ثم اكتشف الأمن وثائق النظام الخاص للإخوان مصادفة ودون ترتيب فيما عرف بقضية السيارة الجيب وأدى ذلك إلى حل جماعة الإخوان قانونيا مما حدا بالإخوان لاغتيال النقراشى باشا رئيس الوزراء ومصدر القرار وأدى ذلك إلى رد الحكومة على اغتيال رأس الدولة بقتل الشيخ البنا رأس الدعوة فضاعت الدعوة والجماعة سنوات طويلة.
الثانية: الفرصة الذهبية الثانية أتاحها الضباط الأحرار من خلال ثورة 23 يولية والتى حلت كل الأحزاب وأعادت جماعة الإخوان قانونيا.. لتكون وحدها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فى الدعوة والسياسة فى مصر دون منافس.. ولكن بعد عامين فقط من ربيع العلاقة بين الإخوان وناصر والضباط الأحرار إذا بهما يتنافسان على السلطة وليس على الدين كما يتصور البعض.. إذ رأى كل منهما أنه الأجدر بالسلطة والأحق بها.. فتحولت الحرب الباردة بينهما إلى ساخنة.. وتسرعت الحركة الإسلامية كعادتها بالعنف ضد خصمها لتخسر فى كل مرة كل شىء.. فقد حاولت مجموعة منفصلة من التنظيم الخاص دون إذن المرشد الهضيبى اغتيال ناصر فى المنشية.. فيجدها ناصر ورفاقه فرصة العمر والخطأ القاتل للإخوان فيزج بهم جميعا فى السجون ويذيقهم ألوان العذاب لتنتهى هذه الفرصة الذهبية أسوأ نهاية.. وتعود الحركة إلى نقطة الصفر مرة أخرى وتعيش خلف الجدران أو السجون 16 عاما كاملة حتى يموت ناصر ويأتى السادات.. ويمنح الحركة الإسلامية الفرصة الثالثة.
الثالثة: فقد رأى السادات فى الإخوان والحركة الإسلامية أفضل حليف يضرب به التيارات اليسارية والاشتراكية التى تكرهه ويكرهها.. وإذا بالحركة الإسلامية المصرية تتمدد وتتعدد وتنشأ فصائل كثيرة جديدة غير الإخوان لا تستفيد من تجربتها ولا يريد الإخوان أن يشرحوا لهم تجربتهم الحقيقية بإيجابياتها وسلبياتها وحسناتها وسيئاتها.. إذ يختصرونها دوما فى نظريتى المؤامرة والابتلاء.. وهما لا تصلحان لتبرير الفشل الدائم والمستمر للحركة الإسلامية فى الوصول والاستمرار فى السلطة.
وتظهر مجموعة الفنية العسكرية التى تريد خلع السادات والانقلاب عليه فى أسوأ توقيت وهو عام 1974 بعد انتصاره على إسرائيل فى 6 أكتوبر 1973 وكأنها تعاقبه على النصر.. ثم تظهر جماعة التكفير وتقتل د. الذهبى ثم تندثر.. ثم تتوحد الجماعة الإسلامية مع الجهاد لتقتل السادات الذى منح الحركة الإسلامية قبلة الحياة لأخطاء تكتيكية وقع فيها فى كامب ديفيد والتحفظ وكان يمكنها التسامح معه فيها.. كما تسامح معها كثيرا.. وبقتل السادات تبدأ دوامة الاعتقال والتعذيب ليصل الجميع إلى نقطة الصفر من جديد وتضيع الفرصة الثالثة.
والغريب أن الحركة لم تقم يوما بدراسة كل هذه الفرص الأربع.. ولم تسع يوما لتقييمها تقييما عادلا ومنصفا.. مع أن معظم الأسباب تكاد تكون متكررة ومتشابهة.. ولو أنها فعلت ذلك مع تجربة واحدة لأغنت كل الأجيال عن تكرار الأخطاء.. وللحديث بقية إن شاء الله.