مع موعد الإجازة السنوية لمصر، أكون شديد الحرص على أن أشاهد وأستجم فى أحد منتجعاتها المبهرة. منذ العام الماضى خطفت مدينة الغردقة قلبى ولم أكن قد زرتها من قبل. مصيف ومشتى هادئ ونظيف ومبهر. للمدينة سحر خاص، وبها مناطق خلابة تستحق الزيارة. لست من هواة الساحل الشمالى، بالنسبة لى، مكان شديد الطبقية والعنصرية وشاهد على أنواع مختلفة من الفساد فى المحروسة، لكن الغردقة هى المعنى الحقيقى فى أن تقضى إجازة هادئة وممتعة مع أسرتك فى بلدك الأم.
فى العام الماضى كانت مشكلتى الرئيسية مع الغردقة هو الطريق المؤدى إليها من القاهرة، فقد كان هناك نقتطين خطرتين على الطريق، الأولى من العين السخنة وحتى الزعفرانة حيث يزدوج الطريق فى حارة ضيقة للغاية مما يضطر كل أنواع المركبات إلى القيام بـ«الغرز» على الطريق وهى مخاطرة شديدة السوء وتؤدى دائما إلى حوادث مفجعة، والمشكلة الثانية كانت الطريق بين رأس شقير ورأس غارب وقد كان العام الماضى معبد بشكل شديد السوء وبه العديد من الحصا والحفر والمطبات غير المبررة!.
هذا العام تحسن الوضع كثيرا، فأصبح هناك طريق «جبل الجلالة» وهو يأخذك من طريق القاهرة ــ السخنة (قبل بوابات العين السخنة) ويصل بك مباشرة إلى الزعفرانة مخترقا الجبال والهضاب فى المنطقة، والأهم أنه يجنبك طريق العين السخنة ـ الزعفرانة المزدوج، وثانيا فقد أصبح الطريق بين رأس غارب ورأس شقير أفضل كثيرا وتحسنت حالة التعبيد عن العام الماضى. طريق جبل الجلالة عمل ضخم ومعبد بشكل جيد، لكن بعض أجزاء الطريق كان بها بواقى عمل الطريق متكدسة فى بعض المنحنيات الخطرة، والمسافة التى أظنها تتخطى ٨٠ كم لها استراحة واحدة فى منتصف الطريق من غير السهل الاستدلال عليها، وأتصور أنها أشياء لابد أن تؤخذ فى الاعتبار مستقبلا.
الغردقة ما زالت تحتفظ برونقها من النظافة والتخطيط، والطريق إليها وداخلها به عددا من الأكمنة التى توفر الأمن بشكل مادى ومعنوى معا، طريقة رجال الأمن فى الأكمنة الثابتة والمتحركة محترمة ومهذبة، لكن ما زلت على رأيى فى أن المبالغة فى إظهار الأكمنة وخاصة فى مداخل الفنادق وعلى أبواب المنتجعات يحتاج إلى بعض المراجعة، لا أدعو إلى إزالة الأكمنة، فوجودها ضرورى، لكنى أدعو إلى إخفاء الأسلحة أو عدم المبالغة فى إظهارها أمام الأعين، لأن الوقوف فى وضع الاستعداد أمام السياح وخاصة من خارج مصر والمنطقة العربية مشهد غير مألوف ويعطى دائما انطباعات خاطئة.
مقارنة بسيطة بين أعداد السياح من غير المصريين العام الماضى وهذا العام تقول إن السياحة الخارجية تزايدت بوضوح. العام الماضى كان الوضع مؤسفا! ليس لدى إحصاءات محدثة ولكن الملاحظة البصرية تقول إن الإشغالات تزايدت وأن هناك عودة واضحة للسياحة الغربية (تحديدا الروسية والألمانية والبريطانية والتركية)، رغم بعض الحوادث الأمنية المؤسفة التى طالت أبناء بعض هذه الجنسيات خلال السنوات والشهور السابقة فضلا عن بعض الخلافات السياسية مع بعض أنظمة هذه الدول. كذلك فالسياحة العربية موجودة وبقوة فى المدينة رغم أنها كانت لا تذكر العام الماضى.
قطعا ما زالت السياحة الداخلية (المصرية) سيدة الموقف، ويمكن بسهولة رصد بعض الملاحظات الإيجابية فى هذا الصدد، وخصوصا فى التصرفات التى كانت عادة محل نقد من قبل القائمين على السياحة فى مصر. التعامل مع «البوفيه المفتوح» أصبح أفضل، والهدر فى الطعام أقل بكثير من العام الماضى، طريقة التعامل مع المنتجع نفسه من غرف وأدوات أيضا أصبحت أفضل، وفى تقديرى الأمر كان مأخوذا بحساسية شديدة من قبل، فالسياحة المصرية ربما تنقصها بعض الثقافة واللياقة فى التصرفات، لكنى رأيت سياح شرق أوروبا يقومون بتصرفات مشابهة للغاية وفقط الفرق هو فى كونهم «خواجات» فتقابل تصرفاتهم غير اللائقة بتسامح أكبر من التسامح مع المصريين وهو أمر غير مقبول ولابد أن يتغير!.
العمالة المصرية فى مدينة الغردقة، عمالة محترمة وجادة، وتحافظ على (أكل عيشها) بكل ما أوتيت من قوة. معظم من التقيت بهم وتحدثت معهم من الصعيد، والأغلبية أجمعت أن الأوضاع تحسنت وأنهم يشعرون بمزيد من الأمل مقارنة بالسنوات السابقة. يعجبنى فيهم الرضا والعمل بلا كلل أو ملل. الفارق بينهم وبين العاملين فى مناطق سياحية متنوعة فى أوروبا أو أمريكا كبير، فالعامل فى مثل هذه المنتجعات فى الغرب وبعض دول الشرق المتقدمة يستطيع أن يحصل على إجازة مماثلة وقضاء وقت مع أسرته كسائح، ربما ليس فى نفس مستوى مكان الإقامة والخدمة، ولكن يستطيع أن يقوم بذلك فى مستوى مقارب، بسؤال بعض هؤلاء العاملين المصريين إن كانوا يستطيعون قضاء إجازة مع أسرهم فى الغردقة أو غيرها من المنتجعات حتى ولو فى مستوى إقامة أقل، فكانت الإجابة من الجميع بالسلب قطعا! فالعمل هو من أجل توفير لقمة العيش ومصاريف الحياة الضرورية ولا مجال لأى رفاهيات!.
تعرضت لمشكلة بسيطة فى مكان إقامتى، اشتكيت للإدارة، فإذا بى أفاجئ بمستوى رائع من الاهتمام بالشكوى والعمل على حلها بل وبتعويضى نتيجة لإهمال أحد عناصر المنظومة، وهذا أيضا أمر جديد بالنسبة لى، ففى مشكلات مشابهة كانت المنظومة الإدارية فى الفنادق السياحية تتصرف بلا مبالاة ملفتة للنظر، وهو تغيير أتمنى أن يكون دائما وليس مجرد حدثا استثنائيا أو مصادفة.
الملفت للنظر، هو أن السياحة المصرية ما زال يتم التعامل مع مكوناتها كجزر منعزلة، فمثلا لم أعثر فى الغردقة وفنادقها على أى إعلانات عن السياحة فى أماكن أخرى كالأقصر وأسوان وشرم ودهب وغيرها! أتخيل أنه لو أن السائح مقيم فى فندق بالغردقة ووجد بعض المطويات عن عروض السياحة والأماكن التى قد يزورها فى مصر فى مواسم مختلفة، فإنه قد يقوم بالفعل بزيارة هذه الأماكن فى المرات القادمة. لم أجد أبدا مثل هذه المطويات أو العروض، هناك اكتفاء بعرض البرامج الترفيهية سواء داخل المنشأة السياحية أو فى منشآت أخرى داخل نفس المدنية، وأتصور أن هذا مرتبط بقصور واضح فى التخطيط وهنا لابد أن نتحدث عن دور مطلوب من وزارة السياحة!
فى تقديرى أنه ومع الظروف الأمنية الصعبة، فإن حال السياحة أفضل، قطعا حكمى لا يزال مبنى على انطباعات شخصية وعلى تجربة جغرافية محدودة النطاق، ولعل هذا الحكم غير دقيق فى مناطق أخرى لم أزورها، لكن حركة الطيران على التطبيقات الإلكترونية المتخصصة زادت فى مصر بشكل واضح خلال العام الماضى، متأثرة بالطفرة فى الطيران العارض من دول شرق وغرب أوروبا بالإضافة لتركيا والتى ينشط طيرانها بوضوح فى مناطق البحر الأحمر، وكلها أمور مفيدة لمصر ولدخلها القومى.
تتبقى دائما الاستراتيجيات طويلة الأجل لضمان تطوير هذه الصناعة المهمة، وأتصور أن هذه الاستراتيجيات يجب أن تسعى إلى استهداف السائح المصرى بعيدا عن الحساسيات والصور الذهنية المغلوطة عن سلوكه فى المناطق السياحية! أتصور أيضا أن جذب السياحة العربية إلى مناطق غير تقليدية كالبحر الأحمر أمر مطلوب فيه بذل جهد أكبر ويحتاج إلى دعاية تتجاوز الإعلانات فقيرة المستوى مبتذلة الكلمات رديئة التمثيل التى نراها من وقت لأخر مخاطبة السائح العربى، ويظل الأمر كله فى النهاية مرتبط بالاستقرار السياسى والأمنى وهو أمر نتمناه دائما لمصرنا الحبيبة.