سؤال لوزير السياحة والآثار - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:08 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سؤال لوزير السياحة والآثار

نشر فى : الخميس 5 سبتمبر 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الخميس 5 سبتمبر 2024 - 7:15 م


فى طريقى من ميدان السيدة عائشة- سيرا- إلى بيمارستان المؤيد شيخ، لحضور حفل اختتام مشروع الإدارة المتكاملة للمبانى التاريخية فى القاهرة، رأيت العديد مما يستحق التوقف والتساؤل لكن ربما يجب الانتظار أكثر قليلًا حتى يتضح المشهد. تخيلت لعدة أيام قبلها أنه نظرًا لقائمة الحضور أن نقاشًا سيجرى حول الآثار والسياحة، وأخذت أعد سؤالى. وصلت إلى مكان الحفل، حيث أعد الأثر التاريخى الذى تم ترميمه للتو لاستقبال المدعوين والمدعوات، وعرفت أن وزير الثقافة ومحافظ القاهرة والسفيرة الأمريكية ومدير وكالة المساعدات الأمريكية التى مولت وأشرفت على المشروع هم من حضروا، بينما غاب وزير السياحة والآثار. بعكس ما توقعت لم يكن هناك فرصة للسؤال أو النقاش.
كنت محظوظا لاحقًا لأنى وجدت آخر مقعد حول الطاولة «المستطيلة» التى أقيمت فى إطار المشروع. وسمعت أن المسئولين يتوقون لسماع «حلول» تمكنهم من التعامل مع الوضع المعقد للغاية للمبانى الأثرية فى القاهرة. لفت نظرى حديث أحد الصحفيين الأجانب الذى شدد على حاجاتنا لإشراك القطاع الخاص إن أردنا ردم فجوة التمويل التى تحتاجها المبانى التاريخية فى مصر (لدى مشكلات كبيرة مع هذا الرأى المنتشر للأسف) وعبّر فى نهاية كلمته القصيرة عن عدم تفاؤله، ثم بعد قليل غادر النقاش قبل نهايته.
قرب نهاية المناقشات سمحت لى الزميلة الفاضلة بإبداء رأى مختصر. وقلت إنه من المهم أولًا عرض فكرة وفلسفة المشروع، ثم لتصميمه العام وتوضيح الأهداف التى سعى المشروع لتحقيقها. كما أننى مهتم بفهم التحديات التى واجهت المشروع وما الدروس المستفادة التى يمكن الخروج بها. أخيرًا قلت إنه من المهم أيضًا وضع المشروع فى سياق المشروعات الأخرى التى تستهدف المناطق التاريخية فى القاهرة، والتى بدأت منذ عدة عقود.
لكن يظل سؤالى الذى أردت أن أسأله لوزير السياحة والآثار عن الربط بين الآثار والسياحة، والإصرار على كون السياحة أحد الأهداف الرئيسية لعمليات الحفاظ على الآثار. شخصيًا أرى هذا الربط ليس فقط مفتعلًا لكن أيضًا ضارًا جدًا. وهذا السؤال مبنى على ما جمعته من بيانات أنا وطلبتى وما قمنا به من دراسات خاصة فى مدينة القصير وميت رهينة عبر السنوات الخمس الماضية.
طبقا لدراسة أجراها طلابى وطالباتى فى خريف عام 2019 فإن متوسط استهلاك السائح/السائحة فى مدينة القصير من المياه هو أكثر من ثلاثة أضعاف استهلاك المواطن/المواطِنة فى المدينة. وأظهرت دراسة أخرى فى خريف ٢٠٢٢ المشكلات المتعددة المرتبطة بالتعامل مع المخلفات السائلة فى المنتجعات السياحية، وللأسف لا يتوافر لدينا بعد دراسات عن تأثير تلك الطرق على الحياة البرية والبحرية. وفى خريف عام ٢٠٢٢ أيضًا قدر فريق من الطلاب أن السائح الواحد ينتج مخلفات صلبة ما يُعادل فى المتوسط ثمانى أضعاف المخلفات التى ينتجها ساكن المدينة فى اليوم الواحد.
قدّر فريق آخر أن السائح الواحد یستهلك حوالى خمسة عشر ضعفًا مما يستهلكه ساكن المدینة من الكهرباء. وتقوم المنتجعات باستخدام مولدات الدیزل فى تدفئة حمامات السباحة فى الشتاء وتدفئة المیاه اللازمة للاستخدامات الأخرى أيضًا. كما تعتمد محطات تحلية المياه الخاصة بالقرى السياحية على تلك المولدات لتحلية المياه باستخدام تقنية الإسموزية العكسية. وهناك أیضًا الوقود المستخدم فى العربات المختلفة سواء لنقل الركاب أو البضائع على الطرق أو الطیران ویتم الوصول للقصیر بالطيران للسياح من أوروبا، ومن داخل مصر عبر مطارى الغردقة ومرسى علم. استهلاك وقود الطيران ینتج عنه نسبة كبيرة من الانبعاثات مقارنة بوسائل المواصلات الأخرى.
فى ربيع عام ٢٠٢٣، بدأنا فى دراسات تهدف للتعامل مع تأثيرات السياحة على البيئة الطبيعية وبينما أظهرت بعض تلك الدراسات أنه يمكننا- إذا بدأنا فورًا- خفض المخلفات الصلبة والسائلة خفضًا كبيرًا، لكن هناك عدم قدرة على تخفيض الانبعاثات الناجمة عن الطيران أساسًا، والتى تمثل حوالى ثلث إجمالى الانبعاثات الخاصة بالمدينة وذلك بسبب عدم توافر بدائل موثوقة لوقود الطائرات فى المستقبل المنظور.
فى ربيع ٢٠٢٤، قمنا أيضًا بدراسة إمكانية التعامل مع تأثيرات السياحة فى ميت رهينة وتوصلنا لنتيجة متقاربة. فى ميت رهينة كما فى مدينة القصير يظهر بوضوح أكثر فصل أماكن السياحة عن المجتمع المحلى، وبينما يتمتع متحف ميت رهينة ومحيطه المباشر ببعض الاهتمام إلا أنه على بعد مائة متر، وكلما دخلت أكثر فى عمق عمران ميت رهينة سترى الإهمال يتجلى فى أكوام القمامة والمصارف التى تعج بأنواع الكائنات والقوارض، كما ترى الشوارع والمبانى العامة والخاصة فى حالة يرثى لها، وتتساءل عمن يستفيد من السياحة إذا كان الحال بهذه الصورة؟!
تظهر لنا الدراسات التى قمنا بها على مر السنوات الماضية بوضوح أن التأثيرات الكبيرة لأعداد السياح على الموارد الطبيعية الأساسية والبيئة الطبيعية كبيرة للغاية، وللأسف ليس لدينا دراسة للتكلفة الحقيقية لتلك التأثيرات التى أتوقع أنها ستكون أكثر بكثير مما يدفعه السياح نظير سفرهم وإقامتهم فى مصر. فهل يكون من المنطق استهداف مضاعفة أعداد السياح بحلول ٢٠٣٠؟
أتمنى فعلًا أن يبدأ نقاش جاد حول السياحة فى مصر سواء فى علاقتها بالآثار أو تأثيرها على البيئة الطبيعية.. فهل يحدث ذلك قريبًا؟


أستاذ العمارة بجامعة القاهرة

التعليقات