هامش للديمقراطية.. الدولة تعرف والمواطن لا يعرف - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية.. الدولة تعرف والمواطن لا يعرف

نشر فى : الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص

نعود إلى البدايات: مفارقة مفجعة يرتبها غياب أو انهيار التنظيم الديمقراطى، مفارقة الدولة التى تعرف والمواطن الذى لا يعرف. للسيطرة على المجتمع وضبط المواطن (أذكر مجددا بأن هويته الفردية تنزع عنه ويعرف هو وأقرانه جميعا كجماهير أو حشود) ولكى تتطور وتحتفظ بالقدرة على القمع أو التهديد به، تنزع الدولة ومؤسساتها وأجهزتها فى الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ إلى معرفة كل وأدق التفاصيل عن المواطنات والمواطنين وتوظف لذلك أدواتها الأمنية والاستخباراتية.

يُراقب المواطن، تُراقب أنشطته الشخصية والأسرية والمهنية والاجتماعية والسياسية، تُراقب المكالمات والمراسلات الصادرة عنه أو الواردة إليه تنصتا وتجسسا وتلصصا، تُراقب آراؤه وأفكاره وقناعاته وطرائق التعبير عنها، ولو تملك الأدوات الأمنية والاستخباراتية الإمكانيات التقنية لمراقبة حوارات الذات وأحلام اليقظة وخيالات فترات النوم لفعلت. تتضخم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بانتظام للاضطلاع بمهمة معرفة تفاصيل حياتنا ومراقبتنا، وأيضا للاضطلاع بمهام أخرى كتقييد الحريات وتنفيذ الإجراءات القمعية وانتهاكات حقوق الإنسان وتشويه وتزييف الوعى العام.

تتضخم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتهمش ومن ورائها المكون العسكرى ـ الأمنى المؤسسات والأجهزة «المدنية» داخل بنية الدولة وتتجاوز السلطة القضائية وتفرغ سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات الدستورية والقانونية من المضمون. تتضخم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وتحتكر المعلومات وتسعى إلى تحويل المواطنات والمواطنين إلى حشود «شفافة» ومخترقة بالفعل أو يسهل اختراقها.

بالقطع، وباستدعاء سريع لفضائح تنصت وتجسس الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية وضربها عرض الحائط بسيادة القانون، لا تعدم النظم الديمقراطية تماما النزوع لمعرفة تفاصيل حياة مواطنيها وأحيانا تفاصيل دول ومجتمعات وراء حدودها. إلا أن السلطة القضائية المستقلة والرقابة المتبادلة بين السلطات والمجتمع المدنى النشيط وعدم استساغة الرأى العام لتغول الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أو لعصفها بالحقوق والحريات تضع مجتمعة قيودا فعلية على اختراق الدولة للمواطنات وللمواطنين.

أما المواطن الذى يعرف عنه فى الفاشيات والنظم الشمولية والسلطوية والمسخ كل شىء فلا يعرف عن الدولة ومؤسساتها وأجهزتها شيئا، بل ويندر أن يعرف حقائق الأوضاع فى مجتمعه. تبدو الدولة كصندوق أسود (بأذنين كبريتين كتعبير عن تنصتها وتجسسها وتلصصها على المواطنات والمواطنين) لا شفافية حوله أو داخله ولا إمكانية فعلية للمواطن لمراقبته ومساءلته ومحاسبته فى ظل غياب الحقيقة وعدم توافر المعلومة.

تتوالى انتهاكات حقوق الإنسان والحريات، ويتراجع التوثيق وتتوارى لجان تقصى الحقائق. يسمع المواطن عن إجراءات استثنائية تخرج عما يألفه فى الواقع القمعى المعاش للفاشيات وللنظم غير الديمقراطية الأخرى (كحادثة فتيات الإسكندرية الأخيرة فى السياق المصرى)، ثم يجد الأمر وكأنه بات نسيا منسيا يتجاهله الإعلام والنقاش العام. يشعر المواطن بتغول الممارسات الأمنية والاستخباراتية، ويطالع إعلاما يقول له إن حماية الأمن القومى والمصلحة الوطنية تقتضى هذا. يدرك غياب الشفافية عن حقائق الأوضاع فى مجتمعه، ويستسلم تدريجيا للمعلومة المحتكرة ولتزييف الحقائق ولتشويه الوعى بل وقد يستسيغ مقولات المتورطين دوما فى التزييف والتشويه.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات