سمات نظام عالمي آخذ بالتشكل - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سمات نظام عالمي آخذ بالتشكل

نشر فى : الإثنين 5 ديسمبر 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الإثنين 5 ديسمبر 2022 - 8:30 م
يتفق مجمل المراقبين أن حرب أوكرانيا التى صارت حربا مفتوحة فى الزمان، عملت على تسريع بلورة سمات جديدة فى العلاقات الدولية. سمات ستطبع دون شك وبقوة النظام العالمى الذى ما زال فى طور التبلور منذ ما بعد سقوط نظام الحرب الباردة، نظام الثنائية القطبية، وبعده اندثار «لحظة الأحادية» الأمريكية. اللحظة، والتعبير للكاتب الأمريكى شارلز كروسمر، التى ظهرت ولكنها لم تعمر غداة سقوط الاتحاد السوفيتى ومعه سقوط نظام الثنائية القطبية الذى نشأ غداة نهاية الحرب العالمية الثانية.
أولى هذه السمات وليس بالضرورة أهمها إعادة إحياء دور منظمة اتفاقية شمال الأطلسى (الناتو) التى تراجع وتهمش دورها بقوة، وكان ذلك أمرا طبيعيا مع سقوط أو اختفاء العدو الاستراتيجى المتمثل بمنظمة حلف وارسو. لكن عودة الخطر الاستراتيجى الذى تعبر عنه عودة روسيا القوية عبر البوابة الأوكرانية إلى لعبة المواجهة بأشكال مختلفة فى لعبة المنافسة الجيوستراتيجية بدءا من «المسرح الأوروبى» أعطى قوة دفع كبيرة لإنعاش دور الناتو بدءا من أوروبا ولكن أيضا حتى «منطقة المحيطين» (الهادئ والهندى). ومن المفارقات المثيرة للاهتمام أن السويد المحايدة وفنلندا، التى كانت تتبع نموذجا من الحياد السياسى وليس الحياد القانونى المعروف، وصف بالفنلندة عالميا، كنموذج خاص، صارتا اليوم فى المرحلة الأخيرة فى إجراءات الانضمام إلى الناتو.
ثانيا، يمكن الملاحظة أن زخم الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، ضمن الحلف الغربى، التى كانت وراءه فرنسا دائما ومعها ألمانيا بشكل خاص، قد خف بعض الشىء بسبب هذا الوضع الصراعى الغربى الروسى المتصاعد، ولم ينتهِ بالطبع. وكان يشار إليه دائما أنه يعبر فى أحد أبعاده عن ضرورة تعزيز خاصية الهوية الأوروبية على حساب اندثارها كليا ضمن الهوية الأطلسية التى حملتها دائما واشنطن: إنه التميز ضمن الوحدة. ولكن رغم ذلك وعلى صعيد آخر انعقدت أخيرا قمة الجماعة السياسية الأوروبية، وهى أيضا فكرة فرنسية بالأساس هدفها جمع الدول الأوروبية الأخرى غير الأعضاء، فى الاتحاد الأوروبى ومنها المرشحة للعضوية للتعاون فى إطار «البيت الأوروبى الواسع» ولم تدعِ إلى هذا الاجتماع بالطبع روسيا وكذلك بيلاروسيا بسبب الحرب الأوكرانية. الرسالة الأوروبية واضحة وقوامها توسيع البناء الأوروبى ضمن صيغ مرنة وسرعات تعاون مختلفة.
ثالثا، انتعاش كبير بهدف المواجهة الدبلوماسية المتعددة الأطراف. كما دلت على ذلك دبلوماسية القمم ذات الصيغ المختلفة، شهر يونيو مثلا شهد ثلاث قمم متلاحقة: الاتحاد الأوروبى، الحلف الأطلسى وقمة السبع. كما أن روسيا عملت على إنعاش دور منظمة معاهدة الأمن الجماعى، التى تضم ست دول سوفيتية سابقا ويراد لها أن تكون بمثابة حلف وارسو جديد، إلى جانب الدور الناشط حاليا لما يعرف «بالكواد» أو الحوار الرباعى للأمن الذى يضم كلا من الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، كما تشهد بالمقابل وفى السياق ذاته تعزيز الحوار والتعاون الاستراتيجى الروسى الصينى. إنها لعبة التحالفات المرنة وليست المغلقة لأسباب استراتيجية وأيديولوجية كما كانت الحال خلال الحرب الباردة. فهنالك تقاطع مصالح مع أطراف فى أطر تعاون أخرى كنا نشهدها دائما فى مجالات عديدة.
رابعا، إن الوضع القائم والشديد التوتر فى الحرب الروسية الأوكرانية والمواجهة الغربية الروسية مفتوح على سيناريوهات مختلفة منها الانزلاق على حرب أكثر تصعيدا فى النار وتوسعا فى الجغرافيا ولكن الحل لن يكون إلا سياسيا تفاوضيا فى النهاية يقوم على شروط أساسية ثلاثة: لا استمرار فى ضم روسيا لمناطق أوكرانية، ولا انضمام أوكرانيا بأى شكل من الأشكال إلى الحلف الأطلسى ونوع من الترتيبات الخاصة للمناطق الأوكرانية المحاذية لروسيا والتى كانت لها علاقات خاصة معها فى الماضى تؤكد الوضع الخاص لهذه العلاقات. ومن غير المستبعد عودة فرنسا وألمانيا إلى تنشيط الدور التوسطى الذى يقومان به رغم ما أصابه من عثرات منذ انطلاق اجتماع ما عرف بمجموعة النورماندى عام ٢٠١٤ والتى ضمت إليهما كلا من روسيا وأوكرانيا: طريق طويل وأمامه الكثير من العوائق ولكن لا بد من ولوجه متى حان الوقت.
خامسا، نشهد ولادة نظام حرب باردة جديدة تقوم على سمتى تضارب وتقاطع المصالح فى الجغرافيا الاستراتيجية والجغرافيا الاقتصادية، أيا كانت العناوين الكبرى التى قد تحملها الأطراف فى تلك الحرب. حرب تتسم بتحالفات بالقطعة، وتتشابك وتتداخل المصالح والأولويات بعد أن انتهى عصر الأحلاف الأيديولوجية والاستراتيجية المقفلة التى طبعت الحرب الباردة الماضية.
هنالك الكثير من دروس وعبر الماضى التى يجب أخذها بالاعتبار لفهم واستيعاب التطورات المتسارعة. ولكن هنالك أيضا العديد من المتغيرات الجديدة التى تفرض رؤية وإدارة ومقاربات مختلفة، عن الماضى، للتعامل بفهم وفاعلية فى نظام عالمى جديد نشهد ولادته.
ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات