توفى منذ أيام الروائى الكبير أ.د/ أحمد خالد توفيق، وقد وجدت اهتماما كبيرا برواياته وفحص انتاجه فى الرواية، مع إغفال كبير لفكره ورؤاه لإصلاح الحياة والمجتمع والناس والدولة، وإنى أعذر هؤلاء لأن د/أحمد أخفى فكره بين طيات كلماته المتناثرة والعابرة ههنا وهناك، ولكنك يمكن أن تلمح فكره فى مثل هذه النقاط:
كان يرفض الشهرة الكاذبة المبنية على التدليس، وكان يرفض «أن يكتب بنظرية ما يطلبه المستمعون» وكان يردد «الشهرة سهلة ولكن النجاح صعب فيمكن أن تشتهر بسبب عمل سيئ أو بمصاحبة نقاد ودعوتهم لحفل إطلاق كتابك.
ويضرب مثالا على ذلك «يمكن أن تكتب قصة عن اثنين منتقبات سحاقيات تتزوج إحداهما من رجل فظ فيجدها لم تخضع للختان فيجبرها على ذلك فتموت أثناء العملية» هذه القصة ستحقق شهرة كبيرة وتبيع آلافا من النسخ وستحتل أغلفة المجلات العالمية، هذه الشهرة لا أريدها، وهذا معنى الشهرة الكاذبة الخاطئة عنده.
وكان يحب الانطواء والعزلة والزهد ويعجب دوما لأن «معظم الناس لا يحبون المنطوى ولا يستريحون له بشكل عام إنهم يفهمون أن تكون وقحا أو أن تكون صاخبا، أما أن تكون منطويا مهذبا غامضا فهم يظنون بك الظنون».
وكان يكره التكفير ويحاربه ويردد «تكفير الآخرين أمتع شىء فى العالم، يضعك فى منصة القاضى، وليس بأى قاضٍ، إنه القاضى المتصل بالسماء بعدما كنت شخصية باهتة مسطحة صارت كلمتك قاطعة كالسيف ولا أحد يجرؤ على الاعتراض، ترمق الناس بنظرات الشك والاتهام طيلة الوقت، هل هناك لذة أقوى من ذلك»، وفى هذا تحليل نفسى عميق للذين يكفرون الخلائق.
وكان قارئا جيدا للنفس البشرية ويردد «هناك بصمة معينة لروحك وأنت تعرف دون سواك متى تغيرت تلك البصمة».
ويكره الكبر والشموخ: «بعض الناس ينتمون إلى طراز البغال المتظاهرة بالأهمية وقد تعلمت منذ زمن سحيق أن المتظاهر بالأهمية ليس على أى قدر من الأهمية».
وكان يكره الإنسان السلبى الذى لا يغضب للحق «قالوا الضحك يحرك عضلتين بينما الغضب يحرك عشرين عضلة فلماذا تتعب نفسك؟ هذا صحيح، ولكن الغضب يحافظ على اتزانك النفسى ويخرج طاقتك العدوانية بدلا من أن تأكلك من الداخل كالحمض».
ويرفض فكرة الدوران حول الأشخاص وتحويلهم لآلهة «من الخطأ اعتبار النجاح أو الفشل حكرا على وجود أو غياب أحد».
وكان يكره السياسة لأنها فى نظره «دراما تصادم الإرادات».
ويكره النفاق فى المجتمع المصرى ويسميه مجتمع اللافتات فيقول: «حياتنا كمصريين لا تستقيم من دون لافتات.. لافتات مبايعة.. لافتات تأييد للمؤيدين.. لافتات شتيمة فى غير المؤيدين، شعب يعيش حياته باللافتات، شعب صمم أن يجعل الخطاطين أثرياء، ويقول: «إن الكذب يتطور مع الزمن ليتحول إلى فن من الفنون الراقية، وعلينا أن نفهم هذا قبل فوات الأوان».
وكان يرى تناقضا بين الترف الشديد والحب فيقول: «من امتلأت معدته بالطعام لم يبق فيها موضع لحب، كنت أقول دوما إن القلب والمعدة تجويف واحد».
وينتقد الفهلوة المنتشرة وعلو الذات فيقول «تسعة فى كل عشرة أشخاص تقابلهم يعتقدون أنهم عباقرة وقد خلقوا قادة، وربما لو طلبت من أحدهم قيادة غواصة نووية لوافق على الفور».
ويرى أن الشجاعة هى رفض الجبن «إن أشجع الشجعان فى التاريخ هم ببساطة أناس خافوا أن يبدو جبناء».
وكان يعجب من نزق الشباب، فيقول: «أهم قرارات فى حياتك تتخذها وأنت صغير السن غير مؤهل لاتخاذها».
وينصح الشباب بالاستمتاع المباح فى كل فترات حياته: «لا تقض حياتك بانتظار أن تنتهى فترة كذا أو كذا، أن تنتهى فترة الدراسة، أو التجنيد الإجبارى أو انتدابك فى كينيا، وإلا سوف تتحول حياتك إلى مجموعة من الفترات لا تنتهى ثم تكتشف أنك بلغت نهاية العمر ولم تنعم بحياتك يوما، يجب أن تستمتع بكل فترة كأنها الصورة الوحيدة النهائية لحياتك.
وكان مهتما بقضية المرأة فيقول «مشكلة المرأة أنها لا تقابل الرجال المناسبين لها إلا بعدما يتزوجوا من امرأة غير مناسبة، ومشكلة الرجال أنهم لا يجدون المرأة المناسبة لهم إلا بعدما يكن أنجبن».
ويرفض عبث الشباب قبل الزواج ويعتبره خيانة مبكرة للزوجة القادمة صاحبة الحق الأصيل فى قلبه فيقول: «أشعر بأننى اقترفت نوعا من الخيانة لأننى يوما ما منحت أجمل ما فى نفسى لفتاة، فلما جاءت زوجتى لم تجد إلا الروح الخاوية كخزينة مصرف أفلس».
وكان يرى أن النجاح فى الزواج يتوقف على الشخص نفسه لا على شريكه فيقول: «النجاح فى الزواج لا يحتاج أن تتزوج الشخص الصحيح، النجاح يتطلب أن تكون أنت الشخص الصحيح».
وكان يرى أن أقوى ما فى المرأة ضعفها ودموعها «لا أطيق دموع الأنثى إنها غزيرة وافرة، وكان يمكن أن تكون رخيصة لكثرتها ولكن دموع الأنثى هى الشىء الوحيد فى العالم الذى تزداد قيمته كلما كثر، إنها تشلنا معشر الرجال وتحيرنا وتربكنا».
وكان يرى صعوبة الامتزاج بين الأحبة «أقسى شىء فى العالم أن تقنع من تحبه بأن يحب الأشياء التى تحبها».
وكان يرى أن الثقافة ليست فى حجم المعلومات التى يعرفها الناس فيقول: «الثقافة لا تعنى أن تعرف طول نهر المسيسبى لأنه موجود فى دائرة المعارف، إنها ثقافة الكلمات المتقاطعة».
وكتب كثيرا عن الموت وكان يردد: إن القبر لا يبالى باسم العظام الراقدة فيه «ويسميه» اللعنة الكبرى التى لم نجربها بعد «وكان يهاب الموت ويخاف لقاء الله رغم أنه كان صافى القلب نظيف اليد واللسان، ويقول «أنا أخشى الموت كثيرا ولست من هؤلاء المدعين الذين يرددون فى فخر طفولى نحن لا نهاب الموت، فكيف لا أهاب الموت وأنا غير مستعد لمواجهة خالقى»، ويردد: «من لا يخشى الموت هو أحمق أو واهن الإيمان».
وهو من القلائل الذين توقعوا موعد وفاتهم وشكل جنازتهم وكأن بينه وبين السماء صلة.
وكان من أهل الرضا ويتمتع بسكينة نفس نادرة رغم مرضه الشديد الذى يدرك خطورته «الرضا كوب من الماء الصافى يمكن لأى شىء أن يفسده».
وكان يكتب بالليل ويقول «الأفكار كالأشباح تخرج من مكانها ليلا».
وكان يرى أن كل إنسان يتغير فكره بين الحين والآخر مستدلا بالتعرية للجبال فيقول: «الأعوام تغير الكثير إنها تبدل تضاريس الجبال فكيف لا تبدل شخصيتك».
وكان ينتقد ثقافة الاحتجاج السلبية فى مصر فيقول: «ثقافة الاحتجاج فى مصر إن كانت لها ثقافة فتتلخص فى عبارة واحدة «اقطع الطريق على أولاد.....».
وكان منزعجا من تفشى الأمراض النفسية لدى المصريين فيقول «الحل الوحيد للمشاكل النفسية ألا تكون عاطلا ولا تكن وحيدا».
وقد صدم كثيرا وخسر بعض أصدقائه لمصارحتهم بعيوبهم فخلص إلى «لا تصارح الآخرين بعيوبهم إلى أن يكتشفوها بأنفسهم».
وكان يحب الدفاع عن الضعفاء ويعبر عن ذلك بقوله «الطرف الذى تخاف أن تدافع عنه حتى لا يشتموك هو غالبا الطرف الذى يستحق أن تدافع عنه حقا».
ويرى أن الثورات استثناء فى حياة الشعوب «المرء لا يرى أكثر من ثورة شعبية واحدة فى حياته لو كان محظوظا».
رحم الله د/ أحمد خالد توفيق، وأسكنه فسيح جناته بمدى الطهر والنقاء والصفاء الذى عاش فيه وبه.