جميلة والكوب.. مناشدة من ميت رهينة - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جميلة والكوب.. مناشدة من ميت رهينة

نشر فى : الإثنين 6 يونيو 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الإثنين 6 يونيو 2022 - 8:30 م
الكوب فى العنوان هو سماع الثلاثة حروف بالإنجليزية التى تختصر مؤتمر الأطراف حول التغير المناخى والذى سينعقد فى مدينة شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل. وعندما سمعت جميلة الطالبة فى السنة الأولى بكلية التربية، والتى تعيش فى قرية ميت رهينة، عدة مرات عنه؛ سواء فى الأوقات القليلة التى تجلس فيها مع والدها وهو يشاهد بعض الأخبار، أو صدفة فى راديو من أحد المحلات فى الشارع، أو من أصدقائها. بحثت عنه فى الإنترنت ووجدت معلومات كثيرة فهمت منها أنه حدث يهتم بالبيئة والكائنات التى تعيش فيها والتى أصبحت مهددة نتيجة لما يقوم به الإنسان. استوقف جميلة ما تقوم به الشابة الصغيرة السويدية جريتا ثونبرج، والتى تماثلها فى العمر، واندهشت كثيرا عندما علمت أنها بدأت فى نشاطها من أجل البيئة والمناخ عندما كان عمرها خمسة عشر عاما فقط. كما اندهشت عندما رأت العديد من الشباب الصغير من أفريقيا، وحتى من المغرب ولبنان والعراق، يشاركون فى الفعاليات المطالبة بالحفاظ على كوكب الأرض لضمان مستقبل قابل للعيش فيه.
• • •
جميلة هى تلك الفتاة الشابة التى تحلم منذ أن كانت صغيرة بأن تصبح مدرسة تنقل المعارف للصغار وتساعدهم لكى يستطيعوا أن يتعاملوا مع العالم من حولهم، برغم حصولها على درجات تؤهلها للدخول إلى كليات يظن كثيرون أنها أعلى فى سلم الشهادات. وهى تحلم لأطفالها بمستقبل أفضل يكونون قادرين فيه على التعلم بصورة تكاد تقترب من أفضل الأماكن فى العالم. سألت جميلة نفسها «لماذا لا أشارك أنا أيضا؟»، وفكرت أنه ربما يكون من الأنسب والأسلم أن تكتب رسالة للقائمين المصريين على مؤتمر شرم الشيخ الذى سمعت من الإذاعة أن مصر ستستضيفه فى نهاية هذا العام لتناقش مشكلات العالم، وفكرت أن تنقل فى رسالتها ما تعيشه وتوضح ما تتطلع إليه هى وجيرانها.
تتذكر جميلة أنها سمعت للمرة الأولى عن التغير المناخى عندما كانت عائدة من مدرستها، حينما قابلت مجموعة من طلبة الجامعة ومعهم أستاذهم وقد التف حولهم جمع من صغار القرية، وبدا أن المجموعة وخاصة الفتيات شعرن بعدم الارتياح من صياح الصغار وملازمتهم لهم. توقفت جميلة وبدأت بمساعدة الفتيات وإبعاد صغار قريتها المشاغبين. وفى تلك الأثناء لفت انتباهها ما تسمع فاستأذنت بالبقاء معهم قليلا.
استمعت جميلة لنقاش حول علاقة الزراعة والماء والقمامة واستهلاك الطاقة والمواصلات بالتغير المناخى، وبالرغم من أنها لم تتمكن من فهم ما يقال بصورة كاملة إلا أنها شعرت من جدية الشرح والمناقشة بأهمية الموضوع، ولفت انتباهها ما قاله الأستاذ لطلبته من أنه بدون اشتراك أهل القرية فى مواجهة التحديات التى يواجهونها فلن يكون هناك أمل حقيقى فى إصلاح أحوال القرية.. احتارت جميلة فى فهم ذلك لأنها تخيلت مما تسمع دائما أن الحكومة هى التى تعرف وتملك أدوات وطرق الإصلاح.
سمعت وقرأت جميلة عن عدة مبادرات منها «اتحضر للأخضر» وحاولت أن تفهم محتواها. عرضت عليها إحدى زميلاتها فى المدرسة ذات مرة مسابقة لوزارة البيئة تستهدف رفع الوعى البيئى، وكانت جوائزها دراجات. لم تفكر جميلة فى الاشتراك بها؛ إذ حتى لو كسبت المسابقة كيف لها أن تقود الدراجة فى قريتها؟.
• • •
تريد جميلة أن تسأل هؤلاء القائمين على المؤتمر هل هم حقا يعلمون عما يجرى فى قريتها والقرى المشابهة؟ وهل يمكن أن يساعد مؤتمر شرم الشيخ قريتها فى أن تتخلص من المخلفات المتراكمة عبر المصرف وبجوار أسوار مناطق الحفريات؟ هل سيتم إيقاف حرق المخلفات التى ينبعث منها بشكل يومى أبخرة ودخان وغازات كريهة؟. كما تريد أن تنقل لهم من أبيها ومن أقربائها عما حدث لمحصول التمور فى الخريف الماضى وكيف أن الكثيرين أرجعوا النقص الكبير فى المحصول للتغير المناخى وخاصة لارتفاع الحرارة الكبير للغاية والذى استمر ما يقرب الأسبوع. تساءلت «هل فعلا يستطيع المؤتمر أن يساعد أبى وغيره من المزارعين فى ميت رهينة وما حولها على تجنب مثل تلك الكوارث فى المستقبل؟».
تريد جميلة أيضا أن تسأل عن المعاناة التى تواجههم من تكرار انقطاع المياه واضطرارهم شراء المياه من العربة التى تدور فى القرية، والتى تبيع المياه المنتجة من الآبار الموجودة فى القرية والتى يقومون باستخدام المرشحات لتنقيتها بدون رقابة رسمية، وتتساءل فى عقلها هل سيساعد مؤتمر شرم الشيخ فى تحسين أحوال المياه فى قريتها؟
منذ أن بدأت جميلة فى الذهاب يوميا للجامعة بالجيزة وهى تواجه مشقة اضطرارها ركوب عدة وسائل نقل حتى تصل للجامعة. بدءا من الميكروباص المتهالك الذى يبدأ من قرية سقارة المجاورة وينتهى بالبدرشين ويمر على قريتهم، حتى الميكروباص الآخر الذى يربط البدرشين بالجيزة، ومن هناك تضطر لركوب ميكروباص آخر حتى الجامعة. يستهلك المجىء والذهاب للجامعة قدرا كبيرا من المجهود والوقت ناهيك عما تواجهه فى الطريق ولا ترغب فى الحديث عنه مع أحد. كلما مرت جميلة بجوار محطة المترو فى المنيب تمنت لو امتد المترو إلى البدرشين لكى تتمكن من استخدام وسيلة مواصلات ليس بها هذا الكم من الأتربة والتعامل الذى بالتأكيد يوجد أفضل منه. لم يخطر على بال جميلة أن يكون لمؤتمر شرم الشيخ صلة بتحسين طريقة وصولها للجامعة ولكنها سمعت عدة مرات أن الطرق والكبارى التى تم بناؤها ستسهم فى تحسين البيئة، ولكنها لم تر أو تفهم كيف من خلال تجربتها اليومية.
تتمنى جميلة أن تكون رسالتها هى بداية رسائل عديدة من ساكنى كل قرى مصر ومدنها من الشباب إلى القائمين على المؤتمر، ليصلهم صوت الشباب الحقيقى الذى يكافح ليحصل على حياة كريمة ويتمنى أن يكون له مستقبل أفضل.
التعليقات