نشرت مدونة «الديوان» التابعة لمركز كارنجى مطالعة دورية تتناول آراء عدة باحثين وكتاب حول مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والحوثيين فى اليمن. فتشير الآراء إلى أن البيت الأبيض ينظر إلى الحوثيين كوسيلة لمواجهة إيران وحرمانها من أحد الأسلحة التى تستخدمها لتقويض حلفاء الولايات المتحدة فى الخليج العربى.. وأن الولايات المتحدة تسعى فى الدخول فى محادثات متعددة الأطراف فى الخليج لتسهل إجراء محادثاتها مع الحوثيين.
قالت الباحثة كريستين ديوان ــ باحثة فى معهد دول الخليج العربية فى واشنطن ــ إن إدارة ترامب تنظر إلى اليمن من منظور سياستها تجاه إيران، أى كجبهة لمواجهة المدّ الإيرانى. لذا، تُعتبر أنباء المباحثات بشأن فتح قنوات الحوار مع الحركة الحوثية مؤشّرا واضحا على أن الولايات المتحدة تعمد إلى تخفيف وطأة حملة أقصى درجات الضغط على الدولة الإسلامية. ويشى انخراط الولايات المتحدة مع الحوثيين، الذين أطلقوا طائرات مسيّرة وصواريخ بدائية إنما فعّالة ضد أهداف مدنية سعودية، بأنها تحاول فك ارتباط هذه الميليشيا بداعميها الإيرانيين، وبالتالى حرمان طهران من إحدى الجبهات التى تستخدمها لتقويض حلفاء واشنطن. للمفارقة، يبدو أن حملة أقصى درجات الضغط الأمريكية على إيران هى التى قد تدفع فى نهاية المطاف الأمريكيين إلى طاولة المفاوضات.
وترى الباحثة أن نجاح هذه المفاوضات يتطلب أن توسّع الولايات المتحدة رؤيتها تجاه اليمن، عوض أن تبقى محصورة فى الزاوية الإيرانية الضيقة. فالنظر إلى الإطار الأوسع كفيلٌ بإظهار أن المشهد الراهن غير مؤاتٍ للتوصّل إلى صفقة، أو على الأقل صفقة تلبّى الأهداف التى وضعتها السعودية فى بداية الحرب والمتمثلة فى استعادة شرعية حكومة الرئيس عبدربه منصور هادى، والالتزام الأمريكى بالحفاظ على وحدة اليمن. فوفقا لتقرير صدر مؤخرا عن مجموعة الأزمات الدولية، سيتطلّب حل الأزمة اليمنية قبول الأطراف المعنية بأن تعكس التسوية الوقائع الميدانية، وهى وقائع تظهر مكاسب الحوثيين والانفصاليين الجنوبيين.
***
ويرى الدبلوماسى اليمنى مصطفى نعمان أنه مع أن الأنباء حول محادثات سرية محتملة بين ممثلين عن الحكومة الأمريكية وحركة أنصار الله الحوثية أتت متأخرة للغاية، هذا خير من ألا تحدث أبدا. ويقول مصطفى نعمان لطالما تمت دعوته إلى إجراء حوار بين ممثلين عن الدول الإقليمية والحوثيين لأنهم يسيطرون على المناطق الجغرافية المحاذية للحدود السعودية. ويُشار إلى أن السيطرة على هذه المناطق شكّلت أحد الأهداف الرئيسة لعملية عاصفة الحزم العسكرية التى انطلقت فى مارس 2015.
ويرى مصطفى نعمان أن الحكومة السعودية متردّدة فى فتح قنوات جديدة للحوار مع أنصار الله، ولاسيما بعد انهيار الترتيبات المُتفق عليها فى ظهران الجنوب فى مارس 2016، والتى تلتها مفاوضات فى الكويت فى أبريل من العام نفسه بين الحوثيين وحكومة الرئيس عبدربه منصور هادى المدعومة من السعودية. ونظرا إلى أن الحكومة الأمريكية تبدو مستعدّة راهنا لخوض محادثات مع أنصار الله، من المؤكد أنها ستُجرى مشاورات وثيقة مع الرياض. وفى حال صدور أى نتائج إيجابية عن هذه المحادثات، سيسهّل ذلك من الناحية السياسية إطلاق محادثات متعدّدة الأطراف تضمّ السعودية والإمارات.
***
ويقول على الأكحلى ــ وزير يمنى سابق وباحث فى برنامج المشاريع العملية ــ الاستراتيجية فى كليّة بلافاتنيك للإدارة الحكومية فى جامعة أوكسفورد ــ إنه فى اليمن عقد سفراء سابقون، ومن ضمنهم جيرالد فايرستاين وماثيو تولر، اجتماعات كثيرة مع الحوثيين فى صنعاء حتى العام 2014، وفى مسقط منذ ذلك الحين، حتى إن وزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى اجتمع مع الحوثيين فى مسقط فى العام 2016. لذا، يرى الكاتب أن المسألة الأساسية ليست ما إذا ستبدأ الولايات المتحدة محادثات غير مُعلنة مع الحوثيين أم لا، بل ما إذا كانت إدارة ترامب، أولا، مقتنعة بأن الوقت قد حان للحثّ جديّا على إنهاء الصراع فى اليمن؛ وثانيا، ما إذا كانت لديها خطة سلام واضحة تحظى بموافقة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ما إن تجتمع كل هذه المكونات، يمكن عندئذٍ أن تسير المحادثات المباشرة أو السرية مع كلٍّ من الحوثيين والحكومة اليمنية على قدم وساق.
***
تقول إليونورا أرديماغني ــ باحثة مساعدة فى المعهد الإيطالى للدراسات السياسية الدولية، ومؤلّفة دراسة بعنوان (الحوثيون لاعبون قابلون للتكيّف فى مختلف المناطق اليمنية) إن احتمال إجراء محادثات فى الوقت الراهن أكبر من السابق، إذ سيستفيد كلٌّ من الأمريكيين، والحوثيين، والأهم السعوديين، من محادثات خفض التصعيد. بيد أن الرياض لا يمكنها بدء ذلك وسط قيام الحوثيين يوميا بإطلاق صواريخ ضد أهداف مدنية سعودية، وفى ظل السردية الوطنية المحلية حول الحرب فى السعودية. مع ذلك، يتوجب على السعوديين إرساء الاستقرار على حدودهم الجنوبية، وبخاصة على ضوء المشاكل المتراكمة فى جنوب اليمن.
وترى الباحثة أنه يبدو أن الوقت قد أزِف بالنسبة إلى واشنطن للنظر فى مثل هذا المسار. فقد تكون هذه فرصتها الأخيرة لوقف عملية تحويل الحوثيين إلى وكلاء لإيران (إذ أقدموا مؤخرا على تعيين «سفير» لدى طهران)، بينما يتعيّن عليها فى الوقت نفسه ضمان حرية مرور السفن التجارية فى جنوب البحر الأحمر. وعلى الرغم من أن الحوثيين يرفعون شعار «الموت لأمريكا»، يبقى أنهم حركة قابلة للتكيّف يتجاذبها البراجماتيون فى صنعاء والمتشدّدون فى صعدة. لذا، ينبغى على الولايات المتحدة الاستفادة من هذا الصدع. وفيما يسعى الحوثيون إلى توطيد أركان الحوكمة فى شمال اليمن، سيبدو انخراط واشنطن معهم بمثابة اعتراف ضمنى بدورهم.
النص الأصلى:من هنا