نشرت منصة Substack الأمريكية تدوينة لأستاذ السياسة العامة ووزير العمل الأمريكى السابق فى إدارة بيل كلينتون، روبرت رايش، يقول فيها إنه لا يعتقد أن المحكمة العليا ستقوم بتقييد ترامب فى استخدام صلاحياته كرئيس، مبررًا ذلك بأن المحكمة يغلب على تشكيلها قضاة جمهوريون (5 من أصل 9)، وسبق أن أصدروا قرارات تعزز من السيطرة الكاملة للرئيس على كل جوانب السلطة التنفيذية، ناهينا عن أنهم منحوا ترامب فى 2024 الحصانة من الملاحقة القضائية عن أى سلوك «رسمى» خلال ولايته الأولى.. نعرض ما جاء فى التدوينة كما يلى:
استهل روبرت رايش تدوينته، قائلًا: «من أكبر المخاوف التى أثارت قلق من وضعوا الدستور الأمريكى أن يصبح الرئيس قويًا مثل الملك، ولهذا السبب أنشأوا الكونجرس والسلطة القضائية من أجل ضبطه وتقييده».
فى العصر الذهبى الأول أواخر القرن التاسع عشر، أصبحت التفاوتات فى الدخل والثروة شديدة للغاية إلى الحد الذى جعل رجال الأعمال الأثرياء وغير الأخلاقيين يسيطرون على الاقتصاد وكان الفساد مستشريًا. أما الآن فنحن فى العصر الذهبى الثانى، عصر رجال أعمال أمثال إيلون ماسك، وجيف بيزوس، ومارك زوكربيرج.
في العصر الذهبي الأول، أنشأ التيار الإصلاحى ضريبة على الدخول فى محاولة للحد من دخول الأثرياء، وفرضوا قيودًا على الإنفاق على الحملات الانتخابية للحد من نفوذهم السياسى، كما أسسوا هيئات تنظيمية مستقلة للحد من سلطتهم. على سبيل المثال، تأسست لجنة التجارة الفيدرالية كوكالة مستقلة فى عام 1914، لمواجهة الاحتكارات والاحتيال من جانب الشركات.
يستكمل رايش: فى الوقت الحاضر، هناك 19 وكالة مستقلة، بما فى ذلك لجنة الأوراق المالية والبورصة، وبنك الاحتياطى الفيدرالى، ولجنة تداول السلع الآجلة، ومجلس العلاقات العمالية الوطنى، ومؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، ومكتب حماية المستهلك المالى، ومكتب المستشار الخاص. وأصبحت هذه الوكالات المستقلة قوة موازنة للنفوذ السياسى للشركات الكبرى. لكن أخشى أن تضع المحكمة العليا نهاية لاستقلالها!
• • •
يقول رايش: يوم الأحد الماضى، طلب محامو البيت الأبيض من قضاة المحكمة العليا (أكبر هيئة قضائية في الولايات المتحدة) السماح لترامب بطرد رئيس مكتب المستشار الخاص، هامبتون ديلينجر، من خلال إلغاء أمر قضائى كان قد أصدرته آمى بيرمان جاكسون -قاضية بالمحكمة الفيدرالية بواشنطن (محكمة أدنى). كان حكم جاكسون يقضى بإعادة ديلينجر (الذي أقاله ترامب) بشكل مؤقت لمنصبه لحين انتهاء المعركة القضائية بشأن إقالته.
مكتب المستشار الخاص عبارة عن وكالة مستقلة غير مشهورة ولكنها مهمة، تنفذ القوانين الفيدرالية المتعلقة بحماية الموظفين الاتحاديين من الانتقام السياسى بسبب إبلاغهم عن مخالفات. كما تنفذ قانون هاتش الذى يحظر على الموظفين الفيدراليين الانخراط فى بعض أشكال النشاط السياسى.
القانون الذى صدر عام 1978، والذى أسس مكتب المستشار الخاص، أعطى الكونجرس لمن يترأسه فترة ولاية مدتها خمس سنوات، ونص على أنه لا يمكن عزله إلا فى حالة «عدم الكفاءة أو إهمال الواجب أو سوء التصرف فى المنصب». لكن أمر ترامب الصادر بحق ديلينجر فى السابع من فبراير الجارى لم يذكر أى أسباب لإقالته، ودخل حيز التنفيذ على الفور.
في البداية، رفع ديلينجر دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية بواشنطن لإلغاء أمر إقالته ووصفه بأنه غير قانوني، وزعم أن أداءه لا ينطبق عليه الحالات التى وضعها الكونجرس لفصل المستشار الخاص. كما كتبت القاضية الفيدرالية جاكسون أن قانون عام 1978 «يعبر عن نية الكونجرس الواضحة لضمان استقلال المستشار الخاص وحماية عمله من التأثر برياح التغيير السياسى». وبناء عليه، أوقفت تنفيذ قرار ترامب بعزل ديلينجر. ومع ذلك، استأنف ترامب الحكم الصادر من المحكمة الفيدرالية إلا أن محكمة الاستئناف الأمريكية رفضت طعن ترامب.
فى الملف الذى قدمه البيت الأبيض للمحكمة العليا يوم الأحد الماضى لإلغاء حكم القاضية جاكسون، قال البيت الأبيض، إن المحكمة العليا لا ينبغى لها أن تسمح للمحاكم الأدنى (المحاكم الفيدرالية) بالاستيلاء على السلطة التنفيذية من خلال إملاء المدة التى يجب أن يستمر فيها الرئيس فى توظيف مدير وكالة ضد إرادته.
• • •
يوضح رايش أن الطلب الطارئ الذى تقدم به ترامبللمحكمة العليا يستهدف بشكل مباشر سابقة تعود إلى عام 1935، حيث قضت المحكمة العليا فى قضية بالإجماع بأن الكونجرس يمكنه حماية الوكالات المستقلة من رياح التغيير السياسى.
كانت تلك القضية، التى تحمل عنوان «همفرى ضد الولايات المتحدة»، تتعلق بقانون فيدرالى يحمى مفوضى لجنة التجارة الفيدرالية، نص على أنه لا يمكن عزل المفوضين إلا فى حالة عدم الكفاءة أو الإهمال فى أداء الواجب أو سوء التصرف فى المنصب، وهى نفس اللغة التى استخدمها الكونجرس بعد عقود لحماية المستشار الخاص.
لكن الرئيس فرانكلين روزفلت طرد مفوضًا من هذه اللجنة، وهو ويليام همفرى، بحجة أن تصرفات همفرى لم تكن متوافقة مع أهداف سياسة الإدارة. وقضت المحكمة العليا بأن الفصل غير قانونى وأن القانون الذى أنشأ استقلال لجنة التجارة الفيدرالية دستورى.
يضيف رايش: الآن، المحكمة العليا برئاسة جون روبرتس (قاضٍ جمهورى) لا تحب الوكالات المستقلة. ويؤمن أغلب القضاة الحاليين بما يسمى بنظرية «السلطة التنفيذية الموحدة»، وهى فكرة مفادها أن واضعى الدستور كانوا يعتزمون أن يتمتع الرئيس بالسيطرة الكاملة على كل جانب من جوانب السلطة التنفيذية.
فى عام 2020، وضعت المحكمة العليا بقيادة روبرتس الأساس لعكس القرار الصادر فى قضية همفرى أثناء نظرها قضية أخرى تتعلق بمكتب حماية المستهلك المالى. ينص القانون الذى أنشأ المكتب على أن الرئيس يمكنه إقالة مدير المكتب فقط بسبب عدم الكفاءة أو إهمال الواجب أو سوء التصرف فى المنصب.
وفى قرار صادر بأغلبية خمسة أصوات مقابل أربعة من قضاة المحكمة العليا، ألغت الأخيرة هذا البند، وحكمت بأنه ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات، وبأن الرئيس يستطيع إقالة مدير المكتب لأى سبب. وقال روبرتس إن الرئاسة تتطلب جهازًا تنفيذيًا نشطًا. وتابع: «فى نظامنا الدستورى، تنتمى السلطة التنفيذية إلى الرئيس، وتشمل هذه السلطة عمومًا القدرة على الإشراف وإزالة مديرى الوكالات الذين يمارسون مهام السلطة التنفيذية بدلًا منه».
يستكمل رايش: «القرار الذى اتخذته أغلبية المحكمة العليا فى عام 2020 كان متوقعا بالنظر لقرار المحكمة العليا فى يوليو الماضى الذى منح ترامب، الذى كان آنذاك مواطنًا عاديًا، الحصانة من الملاحقة القضائية عن أى سلوك «رسمى» خلال فترة ولايته الأولى.
يخشي رايش أن يكون البيت الأبيض والمحكمة العليا فى عهد ترامب قد أعدا النهاية العملية للوكالات المستقلة. وربما يفرضان قيودًا على بنك الاحتياطى الفيدرالى بحجة ما، فهما عازمان على مركزية سلطة الرئيس.
اختتم رايش تدوينته بالقول: «أتمنى أن أكون أكثر تفاؤلًا، ولكننى بصراحة لا أرى أى تغيير قد يصدر عن هذه المحكمة العليا. لا تيأسوا مهما حدث. كل هذا جزء من الاختبار الذى تواجهه الديمقراطية، وأنا أضمن لكم أن الديمقراطية سوف تخرج منه أقوى فى نهاية الأمر».
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف
النص الأصلى: