قرب نهاية كوب ٢٦ فى جلاسجو (المؤتمر الدولى للأطراف لمواجهة التغير المناخى) غردت جريتا ثونبرج السويدية، وهى من أكبر النشطاء فى الحركات الاجتماعية العالمية للتغير المناخى أنه كان «بلا بلا بلا»، أو مجرد ثرثرة. من ناحية أخرى كان الأمين العام للأمم المتحدة أكثر دبلوماسية ووصفه بأنه «غير كافٍ»، وأضاف أنه ربما وجب علينا التعامل مع الكارثة المناخية بصيغة الطوارئ.
فى نوفمبر الماضى، حضرت الأسبوع الأول من كوب ٢٧ فى شرم الشيخ بينما جلست فى بيتى لمشاهدة الجلسة الختامية، وكنت سعيدا للغاية فى أولها بالإعلان عن الوصول إلى اتفاق فيما يخص تمويل الخسائر والأضرار، كما أعجبت للغاية بكلمة ممثلة مجموعة الـ٧٧ وزيرة البيئة الباكستانية، المعروف عنها جهودها الكبيرة المبذولة بالتنسيق مع بعض المنظمات غير الحكومية الدولية المعنية بقضية العدالة الاجتماعية للوصول لهذا الاتفاق كما أعرف أن دور الرئاسة المصرية للكوب كان رئيسيا فى هذا المجال.
لم تدم هذه السعادة طويلا مع كلمة ممثل الاتحاد الأوروبى، والتى قلل فيها مما أنجز فى المؤتمر باعتبار أننا لم نصل لما هو مطلوب فى مكافحة التغير المناخى، وبالرغم من أننى أتفق خاصة مع عدم الإشارة بوضوح للبدء فى التخلص التدريجى من الوقود الأحفورى بجميع صوره إلا أننى لا أستطيع إلا أن ألومه وألوم الدول الغربية الأخرى على ذلك أولا. ثم جاءت كلمة رئيس كوب ٢٦، والتى كان يبدو فيها منفعلا وغاضبا أيضا لنفس السبب مع مفارقة أن حكومته قد بدأت قبل ذلك فى التراجع عن السياسات التى تنادى بها، والتى من الضرورى التمسك بها ليس فقط لكى تتسق مع ما تطالب به، ولكن أيضا لكى تتحمل بعض من مسئوليتها التاريخية بصفتها الدولة التى بدأت فيها الثورة الصناعية واستخدام الوقود الأحفورى والذى هو أصل معظم المشاكل المرتبطة بالتغير المناخى.
• • •
فى ديسمبر الماضى، أقيمت ندوة عامة تحت عنوان «كشف حساب» أقامتها مبادرة حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لتقييم مؤتمر الأطراف السابع والعشرين الذى انعقد فى شرم الشيخ. حضر الندوة كبير المفاوضين المصريين فى الرئاسة المصرية وكبير مستشارى وزيرة البيئة لتقديم كشف الحساب. كما أدار الندوة الباحث الاقتصادى وائل جمال، والذى حضر بدوره جانبا هاما من المؤتمر كما كتب مقالا يراجع فيه ما تحقق فى المؤتمر.
بعد انتهاء السيد السفير والسيد مستشار وزيرة البيئة من تقديم تقييمهما لما أنجزه المؤتمر وما يريانه من تحديات فتح مدير الندوة الباب للنقاش العام لذا، رفعت يدى وتوجهت بالسؤال للسيد السفير قائلا، «أولا إن المؤتمر لا شك حقق إنجازا وبذل الفريق المصرى مجهودا كبيرا، وأعرف شخصيا من الفريق شبابا مبهرين». قلت أيضا إننى أتفق تماما مع سعادة السفير فى إشاراته لما يمكن تسميته بنفاق الغرب، بحيث يطالب بما لا يقوم هو نفسه بتطبيقه.. دعونا أيضا نكون ناقدين لأنفسنا، وقلت إننى أستاذ فى جامعة القاهرة أعمل على كيفية الاستجابة للتغير المناخى منذ أكثر من سبع سنوات مع طلابى، إضافة إلى التركيز على ما يمكن تنفيذه. كما أعلنت الجامعة، فى مايو الماضى، عن مسابقة لتمويل عدد من المشروعات التطبيقية فى مجال التغير المناخى وتقدمت بأحد مشروعاتنا، وكان حظى أن فزت بتمويل مشروع (عنوانه هو إطلاق تحول لمنظومة المياه ببرج رشيد) وقمنا باختيار المكان الذى سنقوم بالتنفيذ فيه وكانت الجهة المسئولة عن المكان سعيدة بما سنقوم به، والأهم كان أن السكان المحيطين والمسئولين عن المكان مقدرون لأهمية إجراء تجارب علمية لحل مشاكلنا. وفهمت أن هذا نابع من تطلعهم منذ زمن طويل لمن يقوم بحل مشكلاتهم المزمنة وعلى رأسها الصرف الصحى الذى يتعامل معه المشروع وإن بصورة أكثر تركيبا وابتكارا.
قبل مؤتمر شرم الشيخ بشهرين كنا جاهزين للبدء فى التنفيذ، ولكن لأن الموافقة الإدارية لم تصلنا لم نستطع أن نبدأ حتى الآن. قلت لسيادته كيف تقول مصر إن هذا مؤتمر «التنفيذ التنفيذ التنفيذ» وفى نفس الوقت لا أستطيع أن أقوم بتنفيذ هذا المشروع الصغير، «فتخيل لو أننى ذهبت للمؤتمر وبدلا من أن أقول إن لدى مشروعا ما، أقول إن لدى مشروعا فى طور التنفيذ لمواجهة التغير المناخى» وهو أيضا يرتبط بالاحتياجات العاجلة والهامة للمجتمعات المحلية. ألم يكن هذا ليقوى من موقف مصر ويدعم مصداقيتها فى أنها تقول وتعمل؟ فبعد مرور أكثر من عام على تقدمنا بطلب الموافقة لم نحصل عليها وقمنا بتعديل تصميم المشروع البحثى لكى يتناول نفس الموضوع ولكن بصورة أكثر توسعا وإن كان الجانب التطبيقى مفتقدا إلى حد كبير (استطعنا تنفيذ جزء صغير من هدف المشروع وهو ما كان مهما لأننا تعلمنا ــ ولا زلنا ــ الكثير من خلال التطبيق العملى).
ما حاولنا تنفيذه فى هذا المشروع البحثى هو امتداد لما بدأناه منذ سنوات فى المختبر الافتراضى المسمى «مختب» وهى اختصار «مكان للخيال والتجريب والبحث»، وهو ينطلق من محاولة للتعامل مع التحدى الكبير للتغير المناخى من خلال تطوير تدخلات محلية تأخذ فى حسبانها الموارد والقدرات وتبنى على معارف مركبة متعددة المتخصصات بعضها عالمى وبعضها محلى. وتحاول من خلال التركيز على ثلاثة من الأقاليم البيئية التى تمثل مواطن معظم السكان فى مصر بلورة لرؤى لنمو متجدد للريف المصرى تنطلق من واقع محدد فى ميت رهينة وأخرى لمصب النهر عند برج رشيد وأيضا تطوير رؤية لمدينة القصير. كذلك، يستهدف هذا المختبر إلى تحويل تلك الرؤى لخطط أقرب للواقع تعتمد على تجارب أولية محددة. وتدور أفكارنا حول تأسيس مجموعة من التدخلات لبناء شبكات محلية للتحول لاقتصاد متجدد تعمل فى إطار المعالم الزمنية التى حددتها اللجنة الدولية للتغير المناخى.
• • •
أتصور أنه يجب علينا أن نبدأ أولا بنقد للذات حتى نستطيع أن نتقدم للأمام ولا يجب أن نكتفى بالقول إن مؤتمر شرم الشيخ حقق إنجازا وهذا يكفينا، إذ إنه بالرغم من أن ما تحقق كان إنجازا على مستوى العدالة المناخية، وإن كان يحيط به العديد من الشكوك لمدى التزام الدول الكبرى به. لكن ما أراه أهم هو أننا يجب نسأل أنفسنا بجدية هل فعلنا ما يكفى فى مصر قبل أن نطالب الدول الأخرى وخاصة المسئولة عن ذلك؟.
يجب أن نسأل بجدية عن كيفية تحويل الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخى إلى خطة بوضعها الحالى بصورة تستوعب ما وجه لها من نقد وتخرجها إلى حيز التنفيذ. أتصور أنه يمكننا مثلا البناء على ما تقدمه المشروعات القائمة حاليا لمواجهة التغير المناخى والخبرة المكتسبة منها، وأيضا التعرف على ما يمكن إضافته إليها بما يتوافق مع الأهداف العامة الاستراتيجية وبما يعظم من تلك المجهودات القائمة، وفى هذا المجال هناك عدد من المشروعات الكبرى التى يمكن البدء منها.
لأن دور المنظومات البيئية الاجتماعية المكانية هام وحاسم، فنحن بحاجة لدور رئيسى للمجالس المحلية (فى الحقيقة نحتاج لمجالس منتخبة تمثل المجتمعات المحلية وتكون مسئولة أمامها) ومنظمات المجتمع المدنى العاملة فى الإطار البيئى والمناخى، وأيضا بإشراك الجامعات الإقليمية وإشراك المعلمين والمعلمات فى الإدارات التعليمية المختلفة لشرح التحديات والاستماع إلى المطالب وربطها بمقترحات ومشروعات تجريبية محددة. كما أننا بحاجة لإطلاق نقاش محلى تقوده هذه المؤسسات بدعم من الجامعات. فنحن بحاجة أيضا للابتعاد عن الحلول الشكلية ــ خاصة فى إطار التعامل مع التغير المناخى.
• • •
الكوب كان ولا زال فرصة كبيرة للغاية للبيئة الطبيعية والناس فى مصر، وهذه الفرصة للتحول تعنى أن ما بعد سنة الكوب يجب أن يكون مختلفا تماما عما قبلها. أتمنى ألا نفلت تلك الفرصة الثمينة وألا تصبح واحدة من الفرص الضائعة التى صادفتها مصر أخيرا.