مستقبل الحزب الوطنى الديمقراطى - علاء عبدالعزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 1:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل الحزب الوطنى الديمقراطى

نشر فى : الإثنين 7 فبراير 2011 - 11:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 فبراير 2011 - 11:30 ص

 إذا ما قدر لثورة الخامس والعشرين من يناير أن تقيم فى مصر حياة ديمقراطية سليمة يكون أحد مداخلها انتخابات تشريعية حرة ونزيهة تعقد خلال الأشهر المقبلة، فليس ثمة شك فى أن الطبيب حسام بدراوى الأمين العام الجديد للحزب الوطنى الديمقراطى يواجه معضلة حقيقية متعددة الأبعاد فى إجراء عملية إفاقة لهذا الحزب.

فمنذ الآن وبطريقة تدريجية ستترسخ لدى أوساط الداخل والخارج قناعة مفادها أن المؤشر الأهم للدلالة على نزاهة تلك الانتخابات التشريعية المقبلة يتمثل فى فقدان الحزب الوطنى لأغلبيته البرلمانية، بعبارة أخرى فإن الحزب سيكون مرشحا بقوة للعب دور كبش الفداء لإثبات صدقية نائب رئيس الجمهورية فى الالتزام بمطالب الثورة وإحداث قدر معتبر من القطيعة مع ممارسات عهد ما قبل الثورة.

زد على ذلك أن الحزب تحت قيادة أمينه العام الجديد جرى تكبيله سريعا من خلال تعيين ثلة من القيادات لأماناته المختلفة ينتمى بعضهم إلى الحرس القديم بإرثه غير الديمقراطى فيما ينتمى البعض الآخر إلى معسكر الفكر الجديد بتقاليده الانتهازية، حتى أن المرء لا يكاد يلمح رابطا بين الفريقين إلا دفاعهم المستميت عن قيم احتكار وتأميم الحياة السياسية فى البلاد.

وإذا ما مد المرء البصر إلى قواعد الحزب فثمة بعد ثالث للمعضلة، فقد أثبتت آخر دورتين من الانتخابات التشريعية فى عامى 2005 و2010 أن كوادر الحزب تعانى شحا شديدا فى رصيدها لدى الناخبين، فما بين وجوه مرفوضة شعبيا ينتقص انتماؤها للحزب من جماهيريته، ووجوه مقبولة لدى الشارع يسلبها الانتماء للحزب احتمالات النجاح، فقد الحزب قدرته على التجنيد السياسى.

ابحث عن التمويل ان شئت أن تلمس البعد الرابع لمعضلة الأمين العام الجديد للحزب، فالتقرير المالى للمؤتمر السنوى السابع للحزب المنعقد فى ديسمبر 2010 يشير إلى أن إجمالى إيرادات الحزب بلغت 51.5 مليون جنيه فى عام 2009، ويتوقع التقرير أن تزيد تلك الإيرادات فى عام 2010 إلى 63 مليون جنيه فى مقابل مصروفات تتجاوز 86.3 مليون جنيه. والمغزى السياسى لهذه الأرقام ينقسم إلى شقين: الأول: أن هذه الميزانية المليونية يمولها رجال أعمال إما نظير توليهم مناصب قيادية فى الحزب والجهاز التنفيذى بالدولة أو نظير تبنى الحزب وحكومته لسياسات رأسمالية مواتية لمصالحهم أو كلاهما، والحاصل أن الحزب لا يملك خيار غسل يديه من رجال الأعمال لتبييض وجهه أمام الرأى العام الثائر (على طريقة حكومة الفريق/ شفيق) لأن ذلك سيعنى أن يقترن فقر الحزب للجماهيرية بفقره للموارد المالية.

أما الدلالة السياسية الأخرى فهى أن تقرير الحزب المالى المشار إليه يؤكد أن حجم العجز فى ميزانية الحزب الذى بلغ فى عام 2010 ما يزيد على 23 مليون جنيه سيزداد باضطراد خلال عامى 2011 و2012 ، مما يجعل خيار التحالف مع رجال الأعمال وتبنى توجهاتهم على حساب الطبقات الأفقر (التى تشكل أغلب الهيئة الناخبة) خيارا لا مناص منه.

زد على كل ما سبق بعدا خامسا لمعضلة الأمين العام الجديد للحزب والمتعلق بتحول توازن القوى بين الحزب والحكومة لصالح الأخيرة، فلطالما استمتع الحزب الوطنى بقدرته على رسم وتعديل وتغيير سياسات الحكومة ليس لأنه حزب الأغلبية كما هى القاعدة فى الديمقراطيات الليبرالية بل لأنه ببساطة كان حزب الرئيس ونجل الرئيس. ومع خفوت نجم الأول وغياب الثانى فإن كفة الحزب يخف وزنها كثيرا فى مقابل ازدياد ثقل الحكومة الحالية التى صارت المؤسسة العسكرية (وليس الحزب) سندها ورصيدها. ولدى ترجمة ذلك التحول فى توازن القوى إلى مغزى سياسى يلاحظ المراقب أن كوادر الحزب فى الانتخابات التشريعية القادمة سيفتقدون سلاح القدرة على تنفيذ وعودهم الانتخابية (الخدمية والسياسية) لأن نفوذهم على الحكومة وأجهزة الإدارة المحلية سيعتريه انكماش كبير.

عندما يجمع المرء تلك الأبعاد الخمسة جنبا إلى جنب ترتسم ملامح صورة قاتمة لمستقبل الحزب الوطنى، لماذا إذن قبل الدكتور بدراوى أن يكون قبطانا لسفينة مشرفة على الغرق؟ أعلم أن الرجل ظل يحلم على مدار العقدين الأخيرين على الأقل بأن يكون فى مصر حزب سياسى يجسد مبادئ الليبرالية الحقة والاقتصاد التنافسى الحر والتعليم الجيد والرعاية الصحية الشاملة، ولكننى أخشى أنه اختار التوقيت الغلط ليجسد حلمه، ناهيك عن أنه اختار حزبا مثقلا بإرث سلطوى وبنيان مشوه على نحو لا يؤسس إلا لكابوس.

التعليقات