مدينة جنين من أقدم مدن العالم، إذ بناها الكنعانيون عام 2450 ق.م، وكانت تسمى عين جانيم وهو اسم كنعانى يعنى «الجنائن» وحرفت بعد دخول الإسلام لفلسطين إلى «جنين» وهى من أخصب أراضى فلسطين، واسمها يدل على ذلك، وذكرت عين جانيم فى التوارة، ومر بها السيد المسيح حيث شفى عشرة مرضى كانوا مصابين بالبهاق ومنعزلين فى مغارة عن الناس هناك.
ووقعت أعظم معارك العرب والمسلمين «عين جالوت» بجوارها، وهى التى انتصر فيها الجيش المصرى بقيادة قطز وبيبرس على المغول، وكانت بداية النهاية للتتار فى المشرق العربى.
ومن أشهر معالمها جامع جنين الكبير الذى أنشأته فاطمة خاتون حفيدة السلطان الغورى، ويعد من أقدم المعالم الحضارية بالمدينة.
ولها سجل حافل فى النضال والكفاح والبسالة سواء ضد الاحتلال البريطانى أو الإسرائيلى، فقد قام الجيش الإنجليزى بمذبحة كبرى لمواطنى جنين وذلك بعد مقتل حاكمها الإنجليزى موڤيت وتمت فيها عمليات إبادة وتنكيل وتخريب وهدم وقتل لمواطنى جنين على يد بريطانيا راعية الحريات والديمقراطية الكاذبة.
وتعد جنين من المدن التى صمدت ضد العصابات الصهيونية التى حاولت احتلالها فى عام 1948 وحاصروها واقتحموها ولكن أهلها البواسل صمدوا ضدهم بمساعدة وحدة من الجيش العراقى مع كتائب المجاهد الفلسطينى الشيخ الحسينى واستطاعوا هزيمة الصهاينة وفكوا حصارها وحرروها.
وبعد اجتياح الجيش الإسرائيلى للضفة الغربية فى أكبر هزيمة عسكرية لحقت بالعرب فى 5 يونيه عام 1967 ضم الصهاينة جنين مع الضفة الغربية لإسرائيل ضمن الحكم الذاتى الأردنى.
وأكبر مذبحة إسرائيلية حدثت فى تاريخ جنين الحديث كانت فى إبريل عام 2002 ضمن عملية اقتحام للضفة كلها، وذلك بعد عملية تفجير فى فندق بمدينة نتانيا، وظن شارون أن اقتحام جنين سيكون نزهة قصيرة للجيش الإسرائيلى الذى فوجئ فى بداية الاقتحام بكمين محكم نصبه مجاهدو جنين أوقع عدة قتلى فى صفوف الجيش الإسرائيلى الذى تملكه الرعب والغضب معا، فقام باستخدام الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة والمركبات المدرعة فى مواجهة مواطنين عاديين ومجاهدين لا يملكون سوى البنادق.
وقام الإسرائيليون بتدمير منشآت المدينة والمرافق الصحية والمستشفيات وتدمير البنية التحتية للكهرباء والمياه والطرق، ومنعوا إسعاف الجرحى والمصابين وأعدموا المدنيين جهرا وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ وأبادوا عائلات بأكملها وسرقوا جثث الشهداء حتى لا تكون شاهدا عليهم، واستشهد فى هذه المعركة من سكان المدينة 500 مواطن وقتل 23 من جنود الاحتلال منهم 14 قتلوا فى الكمين المحكم الذى أذل الجيش الإسرائيلى.
وقد وثقت المذبحة الصهيونية فى فيلمين شهيرين «جنينغراد» على وزن صمود «لينينغراد» المدينة الروسية الباسلة، وكذلك فيلم «جنين جنين» للمخرج محمد بكرى الذى تعرض للاضطهاد الإسرائيلى والمقاضاة بتهمة التشهير والقذف ومنع فيلمه سنوات.
وقد أذهل صمود جنين كل المراقبين السياسيين والعسكريين، وهذه المذبحة أسماها الفلسطينيون «مآسى جنين» ولك أن تتصور أن يصمد مجاهدو جنين ضد «الشاباك، لواء عوز، لواء جولانى، لواء كفير، لواء ناحال، الوحدة الخاصة 5252، طائرات، هندسة عسكرية، فرقة يهودا والسامرة الخاصة» كل هؤلاء لم يستطيعوا كسر إرادة جنين التى تعد رمزا للبطولة الفلسطينية.
واليوم تكرر إسرائيل عملية اقتحام جنين وتعيد مأساتها مرة أخرى، والغريب أن العالم العربى والإسلامى ساند جنين أثناء مذبحة 2002، ولكن اليوم الصمت المريب يخيم على معظم العرب شعوبا ومؤسسات ولا ناصر لهؤلاء العزل ضد الجيش المدجج بالسلاح فى الوقت الذى يقوم فيه الجيش الإسرائيلى بتدمير كل شىء فى جنين.
الغرب يقف بقوة ضد المحتل الروسى لأوكرانيا لكنه يقف هنا مع المحتل الصهيونى ويدعمه ماديا وعسكريا وسياسيا ويحول دوما دون إدانته، الغرب أقام الدنيا وأقعدها ضد روسيا لهجومها على أوكرانيا، ودوما هو مع المحتل الإسرائيلى، موازين مقلوبة ونفاق رخيص.
الغرب ستزول حضارته لأنه مع الباطل دوما، مع المثليين تارة، ومع حرق المصحف أخرى، ومع العدوان الإسرائيلى دائما، هذه نذر خراب الحضارات.
لك الله يا جنين.
سلام على المناضلين، وسلام على الشهداء.