أزمة الكهرباء.. وضرورة التحول المستدام فى الطاقة - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الكهرباء.. وضرورة التحول المستدام فى الطاقة

نشر فى : الأحد 7 يوليه 2024 - 6:05 م | آخر تحديث : الأحد 7 يوليه 2024 - 6:05 م

لا يصدق كثر فى مجتمعنا أننا نشهد بدايات التغير المناخى الكارثى التى تنبأ بها العديد من العلماء منذ عدة عقود. على الجانب الآخر يسارع البعض بنسبة العديد من المشكلات التى نتعرض لها؛ سواء ارتفاع أسعار المحاصيل أو انقطاع التيار الكهربى لساعات، لتأثيرات التغير المناخى بدون أن يكون لديهم دليل علمى واضح على ذلك (وهو بالمناسبة ليس بأمر هين أن تثبت تلك الصلة الواضحة بصورة لا لبس فيها). يسارع آخرون لاتهام قاطعى الأشجار بالتسبب فيما نعانيه من موجات شديدة الحرارة وكأن عدم إزالتها كان كفيلا بعدم شعورنا بتلك الحرارة الشديدة. وبين هذا وذاك تنتشر المقولات التى تختفى منها الدقة المطلوبة والتى تأتى أحيانا من مصادر ينبغى لها أن تكون أكثر حرصا على الدقة أو أن تنسحب من التصدى لتلك الظواهر لعدم إحاطتها بالقدر الكافى من المعرفة والبيانات التى تسمح بالإدلاء بالتصريحات التى تبنى معرفة لدى الناس بالتحديات والمشكلات التى نواجهها.

أزمة الكهرباء التى نعيش فيها هى من ناحية مرتبطة بعدة أبعاد اقتصادية وسياسية، وبالرغم من أهمية تلك الأبعاد فى وضع تلك الأزمة فى سياقها الصحيح إلا أننى سأركز هنا على الكهرباء باعتبارها جزءا من منظومة الطاقة فى مصر. هذه المنظومة التى من المفترض أن تشهد تحولا رئيسيا لمواجهة جذور مشكلة التغير المناخى.

للتعامل مع منظومة الطاقة لابد من التعامل مع عدة أبعاد متكاملة أولها الإنتاج وثانيها الاستهلاك وثالثها الهدر والانبعاثات. لم أرَ للأسف خطة منشورة متكاملة للوزارات المعنية بهذا الموضوع وعلى رأسها الكهرباء والبترول والنقل والبيئة، بالرغم من ضرورة التعامل المتكامل لنجاح الانتقال الطاقوى وضمان عدالته وحتى يكون فى إطار مواردنا وقدراتنا.

فى ناحية الإنتاج لم يتم التخطيط والعمل بجدية لإتمام التحول للطاقة المتجددة الذى يستهدف إحلال الطاقة المتجددة المولدة من خلال التوربينات الهوائية أو الألواح الشمسية بالأساس والتى تتوافر أفضل الأماكن لتوليدها فى أنحاء مصر المختلفة. تم الاكتفاء بمشروعات متناثرة يعتبر بعضها من أكبر مشروعات الطاقة المتجددة مثل مشروع الطاقة الشمسية فى بنبان بالقرب من أسوان، ولكن تركيزه فى مكان واحد بدلا من عدة أماكن تسبب فى مشاكل تتعلق بربطه بالشبكة القومية للكهرباء (تم التغلب عليها لاحقا) كما أن توليد الكهرباء فى أماكن تبعد عن أماكن الاستهلاك يؤدى لزيادة الفاقد من خلال النقل.

مثلا لأن مدينة القصير ليس بها محطة لتوليد احتياجها من الكهرباء فإن ربطها بشبكة الجمهورية نتج عنه زيادة الفاقد فى النقل ليصل إلى حوالى ٣٣٪ مقارنة بمتوسط حوالى ١١٪ فى مدن أخرى. تمثل مثل هذه المشروعات الكبرى أيضا ما يسمى بمصيدة الديون كما وصفها الأستاذ فاضل قابوب، المختص فى قضايا انتقال الطاقة، وذلك لأن تلك المشروعات لها عمر افتراضى فى حدود خمسة وعشرين عاما ومع نهايتها تكون الدولة قد انتهت من سداد القرض الذى استخدمته لبناء المشروع، وسيتوجب عليها الاقتراض مرة أخرى لإعادة بنائه لأن المعرفة التقنية لديها لا تكفى لبناء مثل هذه المشاريع.

فى المقابل، يتم تجاهل الابتكارات المحلية فى هذا المجال مثل المشروع الذى نفذته جامعة القاهرة فى عام ٢٠١٥ وبنسبة مكون محلى حوالى ٩٥٪ ولم يتم من وقتها العمل على الوصول للتصنيع المحلى لمثل هذا المشروع ودراسة ما إذا كانت هناك تقنيات مشابهة ولكنها أقل فى التكلفة،  وذلك للوصول بها لمستوى المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الأقل. وهذه قضية هامة للغاية لأنها لا تتناول فقط بناء قدرات محلية ولكن لأن الوظائف التى يتم إيجادها فى هذا الإطار مهمة للغاية. نعرف أن الميجاوات من الطاقة المتجددة يولد عشرة أضعاف الوظائف التى يولدها الميجاوات الناتج من الوقود الأحفورى. الانتقال للطاقة المتجددة هو إذا أولوية حيوية لبناء اقتصاد محلى مستدام، ودعم البحث والتقنية المحلية، والمساهمة فى القضاء على البطالة، وإبقاء الكفاءات فى مصر للاستفادة من مواهبهم.

نعرف أيضا أن التحول للطاقة المتجددة يجب أن يصاحبه تحول فى استهلاك الطاقة، ونعرف من الدراسات أن كفاءة استخدام الطاقة خاصة فى الأبنية يمكن أن توفر ما يقارب من ثلث احتياجات الطاقة (أى أكثر مما يتم استيراده من إحدى دول الجوار). وهنا دور هام لتعليم ولتدريب خبراء شباب فى تحويل المبانى القائمة بحيث تكون أكثر كفاءة فى استخدام الطاقة.

نعرف أيضا أن حرق الوقود الأحفورى سواء كان بترولا أو غازا لا ينتج غازات الاحتباس الحرارى ولكنه ينتج أيضا غازات تؤثر على صحة الإنسان بصورة مباشرة. وتقليل تلك الملوثات للحد الأدنى يعنى حياة أفضل للجميع وتقليل التكاليف الخاصة بالرعاية الصحية.
لا يمكن أيضا أن نتغاضى عن علاقة ملف الطاقة بملف المياه وملف الطعام والرابطة بينهم. ويمكن للتحول للطاقة المتجددة أن يؤدى إلى فائدة كبيرة لمنظومة المياه وترشيد استخدامه وأيضا المساعدة فى تخفيف الضغوط على منظومة الطعام وخاصة فى الإنتاج والنقل ولكن هذا يحتاج إلى مناقشة مستفيضة مستقلة.

تمثل الأزمات - كما نقل رومان كريزناريكس عن ميلتون فريدمان - فرصة للتغيير ولكن هذا يعتمد على الأفكار الموجودة حولها. كما نقل عن المؤرخ حنا أرندت أن الأزمات أيضا فرصة لمساءلة الأفكار المتصلبة التى فرضت تلك الأزمات. ويدفع رمان كريزناريكيس بضرورة وجود حركة أو حركات اجتماعية تدعم تلك الأفكار والرؤى حتى يمكن التحول لواقع آخر أفضل، وهو يرى فى الرابطة بين الأزمة والأفكار والحركة الاجتماعية أرضية قوية لتحقيق ما يسميه الأمل الأقصى لإنقاذ البيئة الطبيعية وإنقاذ البشر بالتالى. 

علينا ألا ننظر فقط لحل المشكلة حاليا لأنها ببساطة ستتزايد فى المستقبل القريب ولكن علينا القيام بمراجعة جادة ونقد للذات والوصول لرؤى يمكن تحقيقها فى العقد القادم، على أن نبدأ فورا.

التعليقات