سأضرب الذكر صفحا عن التعليق على أسماء وزراء التعديل الأخير طالما لم أفهم معيارا محددا لاختيارهم، تماما كما لم يعلم أحد ٌمعيارا واضحا لتقييم أداء المُقالين.
وكان الحل يكمن ببساطة فى انتهاج «سياسة المصارحة «مع كل خطوةٍ تتبناها السلطة التنفيذية، بداية من حجم التحديات التى تواجهها الحكومة ومرورا بزيارةٍ لفَّها الغموض إلى الإمارات فى الوقت الذى يقبع فيه عشرات المعتقلين المصريين فى السعودية مثلا دون أن توجه لهم تُهمٌ محددة ولم يحظوا بنفس الزيارة، وانتهاء بالأسباب الحقيقية التى تم بناء عليها تغيير تلك الثلة من الوزراء بأعينهم واستبقاء آخرين.. أما البديل عن سياسة المصارحة فهو تلك الأبواب المفتحة على مصارعها أمام تكهناتٍ وعلامات استفهامٍ تسمم المناخ السياسى وتتهاوى معها البقية الباقية من جسور الثقة بغير مبرر.
أمَّا الذى يعنينى الآن هو الإنجاز، والإنجاز لا يُدرك بغير جدولٍ زمنى، لذلك فإن الإدارة بعقلية تحقيق الأهداف «management by objectives» هو ما نريد أن نسمعه من الحكومة فى الفترة الحالية؛ فلن يهتم َّالمواطن العادى فضلا عن السياسى أو الاقتصادى بحسابات ٍكمّية عن تحركات الوزراء و لقاءاتهم؛ ولن يكون معيار تقييم الأداء هو عدد ساعات عمل كل وزير، وليست أيضا الأهداف العامة التى لا يختلف عليها اثنان هى ما أقصد، فلن يكون مقبولا مثلا أن تحدثنا الحكومة عن سعيها لتحقيق «العدالة الاجتماعية» كهدفٍ ضمن برنامجها، لكن المنطقى أن نسمع عن أهدافٍ جزئية يُمكن قياسها ولها جدول زمنى معروف؛ قابلة للتحقيق ومناسبة للمرحلة التى نحياها وهو ما يُعرف اختصارا بـ«SMART goals».
وحينما تعلن الحكومة عن معايير رئيسية لتقييم أدائها كنتيجة طبيعية للأخذ بأسلوب «الإدارة بالأهداف» ستدرك إلى أى حدٍ قد أراحت نفسها من عناء الرد على أى انتقادٍ غير موضوعيٍ يُوجه إليها.
«لا تختبر أى إدارة اختبارا جيدا إلا فى مواقف الأزمات» هكذا قرر جيرى سيكيتش فى كتابه (كافة المخاطر)، والحق أن كثيرا من الأزمات مثلت لحكومة قنديل اختبارات ٍمتعاقبة أظهرت بشكلٍ كبير افتقار هذه الحكومة لعقلية الحل السريع، وأحد أهم أذرع هذه العقلية تكوين فريق لإدارة الأزمة على مستوى الوزارات وآخر للتدخل السريع فى مشاكل الحياة اليومية التى لن تُحل بوسائل تقليدية عتيقة.
أمَّا المشاكل المزمنة فنحتاج فى مواجهتها إلى خطط بعيدة المدى تسير عليها الوزارات بخطى ثابتة بغض النظر عن تعاقب الوزراء عليها؛ فلا يمكن بأى حال أن نتحدث عن تغيير للرؤية كل أربعة أشهر ولاسيما مع وزارات المجموعة الاقتصادية شديدة الحساسية من ناحية التأثير.
وحتى تُثمر تغييرات المجموعة الوزارية الاقتصادية شيئا مذكورا نحتاج إلى تحديد رؤية، ولعل قرار الرئيس المتعلق بإنشاء مجلس للتنمية الاقتصادية، كمؤسسة تابعة لرئاسة الجمهورية يكون مفيدا فى مسألة الرؤية، وإن كان أيضا سلاحا ذا حدين، فمن ناحية ٍسيمثل آلية للتدخل الرئاسى السريع فى حالات الأزمة الاقتصادية ولفرض رؤيةٍ بعينها تسير عليها البلاد فى فترة الأربع سنوات المقبلة؛ ومن ناحيةٍ أخرى ربما يمثل نوعا من الاضطراب لوزارات المجموعة الاقتصادية فى غياب تكامل الرؤى.