أين تتجه منطقة الشرق الأوسط في ظل التصعيد الحاصل في الأزمة/الحرب في أوكرانيا المفتوحة على المجهول وعلى كافة السيناريوهات، وخاصة بتداعياتها على المنطقة. وقد ظهر ذلك من سلوكية الأطراف المتصارعة وخاصة روسيا التي عززت وجودها العسكري في سوريا في قاعدة حميميم، وقامت عبر مناورات عسكرية في المتوسط قرب الشاطئ الغربي لسوريا بتوجيه رسائل واضحة للولايات المتحدة والدول الغربية في هذا المجال. كما شهدنا توترا، ولو بقي مقيدا، في شمال شرق سوريا بين القوى على الأرض الحليفة لروسيا ولتركيا. توترات عرّضت التفاهمات القائمة بين الطرفين في "المسرح الاستراتيجي السوري" لخطر السقوط وإعادة خلط الأوراق، رغم أن تركيا الأطلسية تحاول أن تحافظ على توازن الحد الأدنى الممكن في موقفها من الحرب في أوكرانيا. وعرضت استعدادها للتوسط بغية وقف القتال. ولو أنها لم تستطع أن تنطلق في مبادرة دبلوماسية من هذا النوع.
على صعيد آخر قرأنا وعشية زيارة رئيس وزراء إسرائيل إلى موسكو أن هنالك تأكيدا من الطرفين على استمرار التعاون القائم بينهما في سوريا. وأعلنت واشنطن من جهتها أنها تعمل "لتأمين البديل" عن الغاز والنفط من روسيا من خلال التفاهم مع بعض الدول العربية المصدرة للغاز بشكل خاص في هذا المجال لعدم بقاء الحليف الغربي الأوروبي "تحت رحمة" الاستيراد من روسيا لهذه المادة الاستراتيجية بالنسبة له .
الموقف العربي الصادر عن اجتماع جامعة الدول العربية كان واضحا في توازنه من حيث الدعوة إلى تسوية النزاع من خلال الحوار والدبلوماسية على قاعدة احترام مبادئ الأمم المتحدة. التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى جانب القرار الذي أدان موسكو، لم يعتبر أنه أطاح بهذا التوازن الدقيق وغير السهل لمجمل دول المنطقة التي عملت للحفاظ عليه على أساس قربها من الغرب ولو بدرجات مختلفة وتمسكها واستنادها إلى مبادئ وأسس الشرعية الدولية من جهة مع التمسك بعلاقاتها مع روسيا وتطوير هذه العلاقات من جهة أخرى. ودفع ذلك تلك الدول لدعوتها للتسوية السياسية لهذه الأزمة التي فيما لو تصاعدت ستكون لها تداعيات كبيرة في السياسة والاقتصاد والأمن على دول المنطقة. وظهر الموقف الروسي متفهما لهذه السياسة التي تبدو وكأنها تمشي على حبل مشدود. الحاجة إلى الدور الروسي في المنطقة ولو من مواقع مختلفة وأحيانا في قضايا مختلفة كان وراء تبلور هذا التوجه.
تأتي الأزمة في لحظة مهمة وجد حساسة على الصعيد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وذلك عشية التوصل إلى إغلاق ملف المفاوضات النووية في فيينا وإعادة إعلان إحياء الاتفاق النووي بين القوى الست وإيران رغم بقاء بعض الخلافات التي اتفق المعنيون أنه يمكن التغلب عليها. وقد حدد هذا الأسبوع للوصول إلى إقفال هذا الملف الأكثر من أساسي في المنطقة. وهنا لا بد من التذكير أن إقفال هذا الملف بنجاح دون شك يساهم بشكل كبير في الاستقرار الإقليمي وفي نزع كثير من عناصر التوتر ولكنه غير كاف. فالمطلوب أن تلحقه عملية بناء تفاهمات بين القوى الرئيسية في الإقليم، وبالأخص إيران ومجمل القوى العربية، وهنالك إشارات واضحة ولو أنها ما زالت خجولة في هذا المجال. تهدف هذه التفاهمات إذا تم التوصل إليها إلى إعادة تنظيم العلاقات في المنطقة على أسس وقواعد مختلفة، تلحظ بلورة آلية ولو ليس بالضرورة رسمية، لاحتواء الخلافات وحلها متى أمكن. ويكون ذلك على قاعدة أعمال القواعد والأعراف المعروفة في العلاقات بين الدول. المثير للاهتمام في هذه اللحظة الحرجة في التوصل إلى الاتفاق النووي احتمال إعادة خلط الأوراق وتعثر التوصل إلى الاتفاق مع إعلان وزير خارجية روسيا أن المطلوب من الولايات المتحدة توفير ضمانات مكتوبة بأن العقوبات على روسيا لن تؤثر في التعاون الحر والتكامل التجاري والاقتصادي والعسكري وغيره مع إيران بعد رفع العقوبات عن هذه الأخيرة. عامل قد يساهم بقوة عبر الربط المباشر بين الأزمتين الأوكرانية والغربية الإيرانية في إيجاد صعوبات جديدة أمام التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي. البعض وصف ذلك بإعادة خلط الأوراق من طرف موسكو بسبب رغبة الجميع في فيينا بإعادة إحياء الاتفاق النووي وهو، كما أشرنا، مدخل أكثر من ضروري ولكن غير كاف لإقامة الاستقرار في النظام الشرق أوسطي مع ما يعنيه ذلك الاستقرار من تغيير في قواعد اللعبة السياسية في المنطقة وتوفير الفرص الضرورية للبدء ببناء شرق أوسط مختلف ولمصلحة الجميع في المنطقة. اتفاق فيينا أمام مفترق طرق اليوم، هو أكثر من ضروري ولكن غير كاف للمنطقة، فلنرى أين ستتجه الرياح الدولية في هذا الخصوص.