الصيام الشكلى كالتدين الشكلى أصبح يغزو المجتمع المصرى والعربى، فالمهم الآن عند الكثيرين أن يمتنع عن الطعام والشراب من الفجر وحتى المغرب دون أن يبالى بعد ذلك ماذا يصنع سواء بالليل أو النهار؟!
الصيام من أهم فرائض الإسلام، وهو فريضة فى كل الأديان السماوية السابقة «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ» فهل أصبح هذا الصيام لدينا شكلا بلا مضمون أو مظهرا بلا جوهر؟
وهل الموظف الذى يرتشى ويفتح الدرج يعد صائما فى الحقيقة؟
وهل الذى يقطع رحمه ويعق أمه ولا يعطى ميراث شقيقاته أو يؤذى جيرانه يكون صائما بالمعنى الذى أرادته الشريعة من الصيام؟!
وهل الذى يسب الدين ليل نهار، ولا تمر ساعة عليه إلا ويشتم ويطعن ويلعن قد صام الصيام الذى يريده الله من عباده، أم قد أدى صورة الصيام الظاهرة؟!
وهل الذى يحقد ويحسد الآخرين ويضمر السوء لهم وينافق أو يفرح لمصائب الآخرين يعد صائما؟!، وهل الذى يتطاول على الصحابة أو يتخذهم غرضا أو يتخذ من شعائر الدين الإسلامى وحده مطعنا هل يكون صائما بحق؟.
وهل الذى يظلم الناس أو يأكل أموالهم بالباطل أو يساعد على ظلمهم أو يتهمهم بتهم باطلة، أو يتحرش بالفتيات، أو يسرق السيارات أو يقطع الطريق هل يكون صائما حقا؟!
لا والله.. هؤلاء صاموا عن الحلال وأفطروا على الحرام، وأسقطوا ظاهر الفرض عنهم ولكنهم لم يعيشوا بقلوبهم وجوارحهم مع أى معنى حقيقى من معانى الصيام.
هذا الشهر الكريم رسول السلام والوئام والمودة وهو ينادى الجميع أن يتوقفوا عن كل الصراعات السياسية والفكرية والعرقية والمذهبية، وأن يتسامى الجميع على الأحقاد والضغائن ورغبات الثأر والانتقام أو الإقصاء، وأن يثوب الناس جميعا إلى عقلهم ورشدهم ويتوقف الجميع عن الأنانية والرشوة والفساد والظلم والبغى والطعن واللعن والسب والقذف.
يناديكم أن ينشغل الجميع بالطاعات والقربات وأن يدعو كل مسلم لأخيه مهما اختلف معه، وأن يذكر لكل ذى فضل فضله، وأن ينظر كل منا إلى حسنات الآخرين قبل أن ينظر إلى سيئاته وينشرها.
وأن يحاول كل زوج إعادة مطلقته أو إصلاح ذات بينهم، وأن يحاول كل ابن عاق أن يرضى أباه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكل مذنب أن يتوب إلى ربه.. وكل مرتشٍ أن يتوقف عن أكل الحرام.
وأن يسعى كل منا لمساعدة الفقراء والأيتام والمساكين والمعوقين وأسر السجناء سواء سياسيين أو جنائيين حتى لا تأخذهم الحاجة والعوز إلى اليأس من المجتمع وكراهيته والحقد عليه، فهم لا ذنب لهم ولا جريرة فيما أصابه آباؤهم.
وعلى كل منا أن يراقب ويحاسب نفسه فى رمضان وينظر إلى عيوبه قبل أن ينظر إلى حسناته وقبل أن ينظر إلى عيوب الآخرين، وأن يلتمس الأعذار للناس ما أمكنه ذلك.
وينادى كل منا المسلمين ألا يتدخلوا كطرف فى الصراع الروسى الأوكرانى ويناشد الشيشانيين خاصة ألا يدخلوا بجيوشهم إلى الأرض الأوكرانية فهذا صراع لا ناقة لنا فيه ولا جمل، وقد ذاقوا من قبل من ويلات الغزو.
وعلى كل منا أن يتخلق بأخلاق الله سبحانه وخاصة صفات الجمال ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فيقتبس الكرم من اسم الكريم سبحانه، ويعفو ويغفر تأسيا وعملا باسم الله العفو الغفور، ويرحم الآخرين عسى أن تدركه رحمة الرحيم.. ثم اقتداء باسم الله الرحيم، ويكون ودودا مع الناس حتى يستظل بظل الودود سبحانه فى الدنيا والآخرة.
وينادينا أن نصلح ظاهرنا وباطننا «وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ»، وصلاح الباطن أهم من صلاح الظاهر، وكلاهما مطلوب «وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ» فالاثم شر كله ظاهره وباطنه، والأخير أشد وأخطر من الأول.
وعلينا أن نسعى فى الصلح بين الناس، وأن نعيش جميعا مع قوله تعالى «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ».
وعلينا ألا نفرح لضعف أو مرض أو مصيبة ألمت بمن نكره، أو بمن يخالفنا الرأى، فذلك من فساد القلب والطوية، فالمسلم الحقيقى يحب الخير للناس جميعا، ويطيع الله فيمن عصى الله فيه، ويدعو للناس جميعا، ويحب الخير والبر لهم، ويصل من قطعه، ويعطى من حرمه، ويعدل حتى مع من ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه ولا يشتم أو يسب من شتمه، ولا يهيل التراب على من أهاله عليه، ولا يقصى من أقصاه ويرحم حتى من قسا عليه، وكل عام وأنتم بخير.