اضمحلال دور المدينة فى الثورة السورية - قضايا مجتمعية - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اضمحلال دور المدينة فى الثورة السورية

نشر فى : الأحد 8 مايو 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الأحد 8 مايو 2016 - 10:05 م
نشرت مبادرة الإصلاح العربى دراسة لـ«عصام الخفاجى» – الدكتور المتخصص بالعلوم السياسية والاقتصادية ــ يتناول فيها العوامل التى أدت لاندلاع الثورة السورية، والتى اعتبر أن السبب الأساسى فيها يتمثل فى الزيادة المطردة فى الفجوة ما بين الفقراء والأغنياء والتى أدت لتعميق ظاهرة التفاوت الطبقى. ومن هنا يسلط الكاتب الضوء على بداية الثورة السورية التى اندلعت شراراتها من مدينة درعا تحديدا بدلا من العاصمة والسبب فى ذلك. كما تطرق إلى التركيبات الاجتماعية المختلفة داخل المجتمع السورى ودورها فى تحديد المواقف من الثورة السورية. ويقترح الكاتب فى النهاية ضرورة الوصول لتسوية سياسية فى سوريا تضمن تمثيل جميع التركيبات الاجتماعية ومشاركتها فى صنع القرار وإدارة البلاد.

يبدأ الخفاجى دراسته بالحديث عن الثورة السورية واختلافها عن باقى الثورات العربية، التى طالما كانت تندلع شراراتها من العاصمة أو من داخل أهم مدنها، فى حين لم تندلع الثورة السورية من العاصمة أو حتى من مدينة «حلب» أكثر مدن سوريا أهمية وأكبرها أيضا؛ حيث لم تشهد العاصمة «دمشق» اكتظاظا بالمتظاهرين وكذلك الأمر فى حلب، ولكن بدأت شرارة الثورة من درعا ومنها امتدت إلى باقى سوريا. وما يثير دهشة الكاتب أن درعا لم تكن المنطقة الأكثر فقرا كى تنطلق منها الثورة، ولكن ما حدث أنها شهدت خلال عهد بشار الأسد انحسارا كبيرا، بعد أن كانت تتمتع بحماية لكل أنشطة التهريب التى شكلت العمود الفقرى للاقتصاد لديها، وبالتالى لم يكن هناك مفر من أن يربط الأهالى بين تدهور أوضاعهم الاقتصادية وبين تراجع مرتبتهم السياسية داخل النظام مما أدى فى النهاية إلى اندلاع الاحتجاجات بها وبذلك فقد أوقدت درعا الشرارة التى عجزت عنها العاصمة. ولكن ذلك لا يعنى أن العاصمة لم تشهد أية احتجاجات؛ فقد شهدت دمشق احتجاجات قبل درعا بشهر لمناصرة الثورتين المصرية والليبية.

شهدت سوريا قبيل اندلاع الثورة تدهورا فى الفقر العام فضلا عن اجتياح الجفاف للعديد من المناطق الريفية مما نتج عنه انتقال العديد من سكان الريف إلى المناطق الحضرية، إضافة لزيادة الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء؛ فالفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون ثراء. ولكن يوضح «الخفاجى» هنا أن الكوارث الطبيعية فى حد ذاتها لا تُحَرِض الشعوب على التمرد أو العصيان؛ فقد واجهت المنطقة العربية بأسرها ومن ضمنها دول أكثر فقرا كالأردن مثلا أشد موجات الجفاف المسجلة منذ قرون ولم تندلع بها ثورة، ولكن سياسة النظام السورى المتهوَرة التى استنزفت موارد المياه الشحيحة فى سوريا بحجة تحقيق «الأمن الغذائى»؛ متجاهلة جميع التحذيرات والمخاوف التى ابدتها ووضحتها الهيئات المختصة. إضافة إلى ذلك فقد تخلت سوريا عن الفقراء الجدد النازحين إلى ضواحى المدن الكبرى تاركة إياهم يواجهون مصائرهم دون توفير الحد الأدنى من الضروريات لمساعدتهم فى التعامل مع بؤسهم. فضلا عن ذلك فإن الجموع الفقيرة التى كانت قد سمعت عن ثراء الحكام والمحسوبين عليهم، اطلعت وشهدت بنفسها سرعة تكاثر النوادى والفنادق الراقية والفلل والسيارات الفارهة لذوى الامتيازات، فى حين يعانون هم من الفقر. ولكن يؤكد الخفاجى مجددا على أن الفقر بذاته ليس محفزا للثورات؛ بل إن الناس يصبحون أكثر قابلية للثورة فى حالات النمو الاقتصادى المصحوبة بإدراك لتزايد الفجوة بين الفقراء والأغنياء. وفى سوريا على وجه التحديد فضلا عن تدهور حال الفقراء فقد برز بشدة ثراء المنطقة العلوية الأمر الذى أدى بدوره إلى تحويل المظالم الشعبية إلى مظالم طائفية، بدلا من البحث عن العدالة ورفع المظالم بعيدا عن العبارات الطائفية.

***

انتقل «الخفاجى» بعد ذلك للبعد الاجتماعى مشيرا إلى أنه من المستحيل تحليل الخلفيات الاجتماعية للمتظاهرين ممن دعموا الإطاحة بنظام الأسد، ولكن من الجائز التكهن بأن قسما كبيرا من الطبقة الوسطى فى المدن والبلدات الريفية الكبرى قد لعب دورا فعالا فى إشعال الانتفاضة. ثم يوضح التطور الجذرى فى طبيعة الثورة وبُعد المدن الكبرى عن المشهد؛ فمن يعيشون فى ضواحى المدن الكبرى والجموع المهمشة والمهاجرون من الريف لم يعودوا الآن يتظاهرون أو يهاجمون المقرات الحكومية، إنما زاد اعتمادهم على المواجهات المسلحة وبات بمقدور الميليشيات المسلحة جذب الشباب العاطلين عن العمل المتواجدين بكثرة فى ضواحى المدن الكبرى.

ويشير «الخفاجى» إلى أن الفقر ليس وحده كافيا لخلق شعور التضامن بل يأتى التقارب الطبقى والاجتماعى فى المرتبة الأولى. فالبُعد الطبقى قد ولد نظرة سلبية عن المعارضة بين العديد من السُنة الذين ظلوا موالين لنظام الأسد. فالنظر إلى المعارضة على أنها حركة تعتمد على الأرياف يقودها متدينون متشددون وفقراء وقرويون من غير المثقفين نفَرت قطاعات واسعة من السُنة فى المناطق الحضرية، ممن يملكون القليل من القواسم الاجتماعية المشتركة مع إخوانهم فى الدين. إلا أن الاعتماد على التحليل الطبقى وحده لفهم التأثيرات الاجتماعية لمثل هذه الأحداث غاية فى التبسيط. فقبل الانتفاضة أظهرت أجزاء من البرجوازية السورية العداوة للنظام السورى بسبب المحسوبية والفساد اللذين خنقا أعمالهما، فى حين شكل آخرون تحالفات مع العائلات والقادة ودعموا النظام بتفانٍ شديد.

ويختتم «الخفاجى» دراسته بالتطرق إلى شكل التركيبات الاجتماعية المفترض تواجدها عند حدوث تسوية سياسية بسوريا. فيرى أن التسوية ستكون بعيدة المنال من دون إشراك المجموعات المسلحة «المعتدلة» الرئيسية على الأقل، ومنحِها حصة فى هيئات صنع القرار وإدارة البلاد. ويوضح أن الشباب العاطلين عن العمل والمستبعدون والمعدمون باتوا الآن مسلحين ويشعرون أن الوقت قد حان لإصلاح الوضع ليتوافق مع تطلعاتهم. ومع شبح الجهاديين والمواجهات المسلحة بين نظام الأسد والمعارضة أصبحوا يشعرون أنهم منحشرون بين الأطراف المتحاربة واختفى حلم التعددية الديمقراطية.
قضايا مجتمعية قضايا مجتمعية
التعليقات