السيارة الكهربية أم الشجرة - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:07 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السيارة الكهربية أم الشجرة

نشر فى : الثلاثاء 8 يونيو 2021 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 يونيو 2021 - 8:25 م
يشهد العالم تطورا متسارعا وسباقا محموما لإنتاج السيارات الكهربية، ويبدو هذا التسابق جزءا من تحول كبير تستثمر فيه العديد من كبرى شركات السيارات المليارات من الدولارات وتدعمه بعض الحكومات بمليارات أخرى لتشجيع أكبر عدد من الناس على شراء تلك الأعاجيب التقنية. ونتيجة لذلك يزداد الطلب على مكونات تلك السيارات وخاصة المواد المكونة الخاصة ببطاريات الطاقة الخاصة بها. وأكبر تأثير لذلك التحول يمكن ملاحظته فى الزيادة التى تكاد لا تصدق فى قيمة إحدى الشركات الخاصة المنتجة للسيارات الكهربية والتى حدثت فى غضون عقدين أو أقل من الزمان بحيث أصبحت قيمتها فى البورصات العالمية تعادل إجمالى قيمة عدد من أكبر شركات تصنيع السيارات مجتمعة أو ربما أكثر الآن. وسواء كان هذا التقييم السوقى فى البورصات حقيقيا أم مبالغا فيه نتيجة المضاربة فإنه مازال ذو دلالات كبرى ويستدعى الكثير من التفكير والنقاش وهو ما يحدث بين العديد من الخبراء وأفراد المجمتع خاصة فى تلك البلاد المنتجة والمتأثرة بتلك التغيرات المتلاحقة.
ولكن هل دخلت مصر باعتزامها إنتاج سيارات كهربية ودعم مشتريها فى هذا النقاش وأصبح من الضرورى التعامل معه بجدية؟ أظن ذلك. وهذه فى الحقيقة قضية تخصنا جميعا لا فقط أولئك المقتدرين/ات والحالمين/ات بامتلاك تلك السيارة لأنها تمس تعاملنا مع مواردنا المتاحة وكيف نرسم أولوياتنا.
لاشك أولا فى أن التطور الكبير فى مجال السيارات الكهربية مدفوع بالرغبة فى تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة من احتراق الوقود المستخرج من البترول والتى تسهم بشكل أساسى فى زيادة تركز الغازات المكونة لظاهرة ما يعرف بالصوبة الزجاجية وهو ما يؤدى بدوره إلى زيادة حرارة الأرض مما يهدد التوازن البيئى ويؤدى إلى ما يهدد حياة كل الكائنات الحية على الأرض بما فيها الإنسان. وتمثل السيارة الكهربية استجابة تقنية متقدمة للغاية لذلك التهديد. والسؤال الذى يناقش فى الدول المتقدمة من قبل الكثيرين والكثيرات؛ علماء ومصممين ومخططى مدن وآخرين هو ما إذا كان هذا التحول سيحقق فعلا الهدف المرجو منه؟
ويجرى هذا النقاش الذى لا شك أنه يهمنا كثيرا ليس على التحول للكهرباء ولكن بالذات لتلك المولدة من مصادر متجددة كالرياح والشمس وهذا هو الجوهر إذا أردنا توفير طاقة مستدامة خاصة ولكن ما هى الأولوية لاستخدام تلك الطاقة المستدامة؟ وهل يجب أن نستهدف وسائل النقل العام مثل القطارات والمترو والأتوبيسات أو الميكروباصات وهو ما سيكون رائعا فى حالتنا وحالات مشابهة لنا خاصة فى إفريقيا؟ ولكن ما هى أولوية السيارة الخاصة الكهربية فى هذا الإطار وهل فعلا يمكنها أن تساهم فى حل مشكلة الانبعاثات خاصة فى المدن؟
يركز النقاش بين بعض الخبراء العمرانيين على موضوع واضح وهو ببساطة أن السيارة الكهربية ستشغل نفس المساحة التى تشغلها السيارة التى تتحرك بالوقود الأحفورى وإذا نحن استبدلنا سيارة مكان سيارة أخرى بنفس المساحة تقريبا فإن ذلك سيعيق تطور الحلول الحقيقية لمشكلة التنقل المستدام الذى لا يصدر انبعاثات حيث سيظل الشارع مسخرا لسيطرة السيارات ولن يجد الناس أماكن كافية للسير ناهيك عن ركوب الدراجات وبالطبع سيقل جدا إن لم يتلاشى المكان المخصص للنباتات وعلى رأسها الأشجار التى نحتاجها بشدة ليس ببساطة لتقليل الانبعاثات المؤذية ولكن أيضا لامتصاص ثانى أكسيد الكربون وتحويل طاقة الشمس إلى ما يفيد وتقليل درجة الحرارة فى شوارعنا بالصورة التى تساعدنا على تحمل السير فيه وممارسة الأنشطة الأخرى وخاصة أننا نعرف أن عواقب التغير المناخى ستحدث فى كل الأحوال ولكن علينا العمل على التقليل منها لأقل قدر ممكن وتوفير وسائل مواجهة ارتفاع درجة الحرارة وعواقبه الوخيمة.
فى تلك النقاشات يجب أن نستدعى دائما الأهداف الكبرى وهى هنا تحسين جودة الهواء حتى نستطيع أن نتنفس ونعيش بجودة حياة وصحة مقبولة. وهذا الهواء الصحى هو حق للجميع ويجب أن يكون متاحا للجميع ولكن هل هذا التحول للسيارة الكهربية الخاصة يسهم فى تحقيق ذلك. ربما هنا من المهم أن نتذكر معنى الفعل العادل وهناك بالفعل العديد من المعانى وأجد التعريف الذى وضعه الفيلسوف جون رولز فى كتابه الشهير «نظرية العدل» مثيرا للاهتمام وقابلا للتطبيق حيث يقول إنه ذلك الفعل الذى يؤدى إلى أن تتحسن حالة أولئك الأقل حظا فى المجتمع. ولو طبقنا هذا على حالتنا فى مصر يصبح السؤال هل نتبع الدول المتقدمة ونبدأ فى التحول للسيارات الكهربية الخاصة أم نركز على كهربة الأتوبيسات العامة والقطار والميكروباصات والمترو والتى توفر بديلا محترما للسيارات الخاصة ونعمل على إعادة بعض الآدمية لشوارعنا من خلال التركيز على توفير البيئة التى تشجع الناس باختلاف قدراتهم البدنية وأنواعهم على المشى وركوب الدراجات وتحسين جودة الهواء فى تلك الشوارع من خلال زراعة الأشجار والنباتات التى تنمو فى البيئات الطبيعية المصرية وليس باستخدام أشجار ونباتات أصلها لا ينتمى لبيئتنا. وينتقل السؤال لمسؤلينا فى النهاية أولا لأى مدى تعكس السياسات المقترحة «حق» كل إنسان فى مصر فى استنشاق هواء نظيف؟ وثانيا هل الأولوية هى للاستثمار فى صناعة أو تجميع السيارات الكهربية الخاصة حتى وإن كان مردود تحسين الشوارع وزراعتها بالأشجار على صحة الإنسان أكبر؟
التعليقات