تفخر بلدتى ديروط أنها أنجبت عددا من الأبطال والشهداء والحاصلين على نجمة سيناء أبرزهم المقدم/ إبراهيم عبدالتواب بطل ملحمة كبريت، وآخر شهيد فى حرب أكتوبر والذى سطرت بطولته وكفاحه أقلاما وأفلاما كثيرة، وما زال تاريخه يسطر بأحرف من نور.
ومنهم ابن خالتى مراد سيد عبدالحافظ تلميذ «إبراهيم الرفاعى أسد الصاعقة» وقد سطرت وزارة الدفاع بطولته فى كتاب «الحصان الأبيض».
قاد البطل ابراهيم عبدالتواب الكتيبة 603 مشاة أسطول كأعظم ما يكون القائد، كان عسكريا فذا وأبا عطوفا، لا يعرف الهوادة أو الاستسلام، مع رفق الأب لجنوده.
يرجع الفضل للفريق سعد الشاذلى فى تكوين كتائب مشاة الأسطول والتى جهزها خصيصا لعبور قناة السويس وكان يردد «هذه الكتائب ستكون المسمار الأول الذى سندقه فى عرش الغرور الإسرائيلى» واختار لقيادتها أكفأ الضباط من الصاعقة وسلحها بالدبابات البرمائية.
وكان مقر الكتيبة بالعامرية بالإسكندرية ونقلت قبل حرب أكتوبر مباشرة إلى السويس تحت ستار المناورات التى أخفت نية الحرب الحقيقة.
عبرت الكتيبة بنجاح أكبر مانع مائى «قناة السويس» وأكبر مانع صناعى «خط بارليف» تحت قصف الطيران والمدفعية الإسرائيلية.
واستولت على نقطة كبريت الحصينة وهى من أقوى نقاط خط بارليف وأصعبها، وقد حاولت إسرائيل استرداد ذلك الموقع الخطير دون جدوى، وقامت بعشرات الهجمات عليه ولكنها تكسرت جميعا أمام صمود البطل ورجاله.
لقد تحول إبراهيم عبدالتواب إلى أسطورة عسكرية فذة تحدث عنها العالم كله، وتحولت كتيبته إلى أيقونة رائعة للعسكرية المصرية الفذة، فقد حوصرت هذه الكتيبة 134 يوما كاملة من الجيش الإسرائيلى والذى سخر كل إمكانياته الجوية والمدرعة والمدفعية لاقتحام نقطة كبريت وإجبار البطل ورجاله على الاستسلام دون جدوى.
مئات الطلعات الجوية كل يوم تدك موقع الكتيبة فى كبريت منذ أول ضوء وحتى آخر ضوء، مع قصف مدفعى متواصل، هجمات مدرعة بأحدث الدبابات دون أن يستسلم البطل، كان عاكفا على تحصين دفاعاته ورفع معنويات جنوده وضباطه والقراءة فى المصحف، كان يصلى الجمعة بعدد من جنوده ويفوض الحراسة للمسيحيين مع آخرين، وكان يدع المسيحيين يصلون يوم الأحد ويحرسهم.
كان إيمانه بالجندى المصرى عميقا، نفذ الطعام تماما بعد هذا الحصار الخانق وكان كل 8 أفراد يأكلون باكو بسكويت يوميا، ويتقاسم كل أربعة أفراد علبة فول مدمس.
نفذ الماء منهم وهذا أخطر من الطعام، شربوا ماء راديتير السيارات، وماء القناة المالح، حتى تفتق ذهن جندى كان معيدا فى كلية الآداب عن فكرة تقطير مياه القناة المالحة، أحضروا الأوانى اللازمة وأوقدوا الخشب تحتها ومدوا مواسير التنقيط البدائية لتحدث المعجزة ويشرب الوحوش الماء العذب لينقذ الله هذه الكتيبة العظيمة من الموت عطشا، دبت الحياة مرة أخرى فى الكتيبة الصامدة.
لم يستسلم القائد الفذ لنفاذ المؤن والأطعمة، قرر دفع دوريات تتسلل عبر الصحراء لتذهب إلى الجيش الثالث لإحضار الغذاء والأسلحة، كان يسميها «رحلة الموت» لأنها كانت تخترق الدفاعات الإسرائيلية ليلا، اكتشفها الإسرائيليون فقدم الأبطال تضحيات كبرى، غير الفكرة إلى أخرى، دوريات تندفع عبر القناة للتواصل مع الجيش الثالث فى الغرب.
استشهد العشرات من ضباطه وجنوده، بعضهم كان حديث عهد بزواج، بكاهم دون وهن، حزن عليهم دون استسلام، كان يعتبرهم جميعا أولاده، فقد بنى هذه الكتيبة فردا فردا، رعاهم، حمل همومهم، زوج بعضهم، حل مشاكلهم، علمهم العسكرية الحديثة، وكان يكرر لهم أثناء الحصار «لن نعود خطوة خطوناها للأمام، استشهد نصف قواته، ورغم ذلك لم يستسلم، أسقطت كتيبته وحدها فى إحدى معاركها ثلاث طائرات ودمرت 27 دبابة إسرائيلية، أذاق الإسرائيليين كأس الذل رغم فارق الإمكانيات العسكرية.
وفى آخر يوم من الحرب سقط الشهيد البطل ليكون آخر شهيد فى حرب أكتوبر كلها، وهو يوم 14 يناير 1974، وكأنه أصر ألا ينال شيئا من مغانم الدنيا وأن يلقى الله كما عاش بطلا زاهدا فيكافئه الله بأطيب الذكر وأعظم السيرة وأعطرها.
تحية له ولكل الأبطال الذين كانوا معه ويعيش منهم حتى الآن الضباط/ إبراهيم العجمى، ومحسن علام، ومحمد نور الدين وغيرهم.
سلام على الأبطال ولا نامت أعين الجبناء.