معضلة سوق العمل - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 10:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معضلة سوق العمل

نشر فى : السبت 8 أكتوبر 2022 - 6:25 م | آخر تحديث : السبت 8 أكتوبر 2022 - 6:25 م

نحن فى عصر محكوم بالاقتصاد حتى وإن لم نلحظ ذلك أو لاحظنا لكننا نحاول تجاهل الأمر، هناك مظاهر متعددة لذلك لكننا فى هذا المقال سنركز على مظهر واحد: الجامعات. اختيار الطالب لمجال دراسته الجامعية فى الغالب ينبع من احتياج سوق العمل، الأسرة دائما ما تحاول دفع ابنها لدخول كليات تؤهله لوظائف ذات دخل مرتفع، تلك الوظائف تتغير بتغير سوق العمل. ونتيجة للمنافسة الشديدة فى سوق العمل فإن نوع الدراسة وحده لا يكفى لكن أيضا اسم وتصنيف الجامعة التى يتخرج منها الطالب تعتبر من العوامل المهمة للوصول إلى تلك الوظائف المرموقة، لذلك تهتم الجامعات بالتصنيف لأن التصنيف المرتفع معناه طلبة أكثر تتقدم للجامعة وبالتالى دخل أكثر لتلك الجامعة، نجد هذا بوضوح شديد فى جامعات كثيرة فى أمريكا، لا نتحدث هنا عن الجامعات الحكومية التى تدعمها الدولة. إذا فالجامعات تحاول استقطاب الطلاب، والطلاب تختار الجامعات من أجل تعلم مهارات تؤهلهم لدخول سوق العمل، لكن هل سوق العمل يحتاج مهارات فقط؟ إذا كان كذلك فليس للجامعات تلك الأهمية الكبيرة لأن الشخص قد يتعلم مهارة مثل البرمجة أو يدرس تطبيقات الذكاء الاصطناعى بنفسه أو عن طريق محاضرات على الانترنت ولا يذهب إلى الجامعات، فهل يكفى ذلك؟
الحقيقة أنه لا يكفى لأن سوق العمل هو مجموع الوظائف المتاحة، وتلك الوظائف تتغير بظهور تكنولوجيات جديدة واختفاء أخرى، وتغير الوظائف يكون بتغير عددها ونوعيتها أيضا، منذ عشر سنوات لم نكن نرى ذلك الاحتياج الكبير لمتخصصى الذكاء الاصطناعى أو متخصصى علوم البيانات. بخلاف المهارات فإن الشخص يجب أن يكون مستعدا لتغير سوق العمل أثناء حياته الوظيفية، أى التعلم المستمر.
التعلم المستمر مهم للغاية فى عصرنا هذا حيث وتيرة تقدم العلوم وظهور التكنولوجيات سريعة جدا، لكن التعلم المستمر ليس كافيا، كيف نتخلص من معلومات قديمة أو مهارات بالية حتى لا تؤثر على أدائنا هى من المهارات الأساسية المنسية ولا تحظى بالاهتمام الكافى، مهارة النسيان مهمة مثل مهارة التعلم. من الأمثلة الواضحة فى هذا الشأن هى مهارة البرمجة، الطالب يتعلم البرمجة عن طريق تعلم عدة لغات برمجة، يوجد فى العالم الآن ما يزيد عن ألفين من تلك اللغات بعضها أشهر وأكثر استخداما من البعض الآخر، لكن مع مرور الوقت تختفى لغات برمجة وتظهر أخرى جديدة وعلى المبرمج المحترف نسيان القديم والتدرب على الجديد. هذا ليس سهلا لأننا عندما نبذل مجهودا فى تعلم مهارة ما نحاول الاحتفاظ بها.
إذا سوق العمل يحتاج مهارات معينة والقدرة على التعلم المستمر والقدرة على نسيان القديم غير المفيد، هل يكفى ذلك؟ هناك أيضا مهارة التعامل مع الآخرين والتدريب على العمل تحت ضغط. كل هذه المتطلبات تقودنا إلى أهمية التعليم الجامعى وعدم الاكتفاء بالتعليم الذاتى.
التعليم الجامعى ليس فقط المادة العلمية لكنه تجربة كاملة تشتمل على التعامل مع الطلبة الآخرين والتعامل مع أساتذة من شخصيات وطرق تفكير مختلفة، هذه التجربة تساعد كثيرا فى بيئة العمل. الإنسان ليس منطقيا بالمطلق لكنه عاطفى كذلك وتلك العاطفة تؤثر سلبا أو إيجابا على اتخاذ القرارات، لذلك التجربة الإنسانية أثناء المرحلة الجامعية تعتبر مرحلة تدريب على التعامل مع المنطق والعاطفة معا خاصة حين يعمل الطالب تحت ضغط الامتحانات وتسليم المشروعات وهو ضغط يشبه ضغط العمل. التعليم الجامعى أيضا يعطيك العلم بمنهجية معينة، فمثلا هناك بعض المواد لا تستطيع دراستها إلا بعد إتمام مواد أخرى، هذه المنهجية فى التعلم ستكون مفيدة جد فى بيئة العمل حين تحتاج أن تتعلم مهارة جديدة أو علم جديد ظهر بعد تخرجك.
كأستاذ جامعى عليك التأكد أن الطالب سيحصل منك على المادة العلمية كما أنه سيتدرب على يديك على العمل تحت ضغط فى الامتحانات وما شابه وأيضا على تعلم مهارة التعلم ذاتها، يجب أن تعلمه كيف يلاحظ أن هناك تغييرا ما فى العلم الذى يدرسه أو المهارة التى يتعلمها وكيف يرى الجديد ثم يتعلمه. أما صاحب العمل فيجب عليه النظر إلى المهارات العلمية وغير العلمية التى ذكرناها فى هذا المقال للمتقدم إلى شغل الوظيفة ولا يجب عليه النظر إلى الجامعة التى تخرج منها لأنك قد تجد طالبا ضعيفا يتخرج من جامعات قوية والعكس.
وهمسة فى أذن الأسرة والطالب الجامعى: حاول أن تستفيد قدر الإمكان من فترة التعليم الجامعى ولا تدخل بفكرة أنك «تشترى» الشهادة الجامعية بالمصاريف التى تدفعها، أنت كطالب لا تشترى سلعة، إذا أردنا أن نضع الأمور فى نصابها فإن الطالب هو السلعة التى تنتجها الجامعة.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات