قدّر بنيامين نتنياهو، واعتقد وأمل بهذه النتيجة: انتصار ساحق لدونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية. إلّا إن تداعيات الأمر قد تكون معقدة، بل متضاربة فى بعض جوانبها، فلطالما كان ترامب لغزا محاطا بالغموض: فهو متقلب المزاج، أنانى ومن الصعب توقع ردات فعله. وفى نسخته 2025، سيقدم، على الأرجح، نموذجا جديدا من فترته الرئاسية الأولى: بلا كوابح، أو ضوابط، وتكاد تكون من دون أى جنرالات متقاعدين حوله ممن يعتقدون – بلا جدوى – أنهم قادرون على السيطرة عليه، كما كانت عليه الحال قبل ثمانية أعوام.
ما من فائدة من التكهن بسياسة الرئيس المقبل الخارجية فى هذه المرحلة المبكرة. فى ولايته الأولى، كانت السياسة الخارجية لإدارته متناقضة فى أساسها. أظهر ترامب ميولا إلى الانعزال، ورفضاً شديدا للاستثمار الأميركى فى حماية حلفاء أمريكا، وعدم الرغبة فى التورط فى حروب جديدة وغير ضرورية. فى المقابل، تبنّى ترامب حجج نتنياهو، وانسحب من الاتفاق النووى مع إيران، وهو ما جعل النظام فى طهران أقرب من أيّ وقت مضى إلى إنتاج قنبلة نووية.
الأمر المؤكد هو أن الإيرانيين يخشون ترامب، بسبب طبيعته غير المتوقعة. من المحتمل أن ينعكس ذلك فى إعادتهم النظر فى استراتيجيتهم المستقبلية. سيتعين على إيران فعلا أن تفكر مليا فى تنفيذ تهديداتها بإطلاق هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة أخرى ضد إسرائيل، بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة فى 26 أكتوبر.
لطالما عبّر ترامب عن دعمه لإسرائيل، علنا، وأظهر تعاطفا شخصيا مع نتنياهو. ففى نوفمبر 2020، حدثت أزمة استثنائية عندما غضب من نتنياهو الذى اتصل لتهنئة جو بايدن بفوزه فى الانتخابات الرئاسية. فى المقابل، بعد «المجزرة» فى 7 أكتوبر، وصف ترامب الإسرائيليين بأنهم «خاسرون» بسبب مفاجأة «حماس». ثم دعا إلى إنهاء الحرب فى غزة، وأكد فى الأيام الأخيرة، قبل الانتخابات، ضرورة إنهاء القتال فى لبنان.
إن سِجل ترامب فى الشأن الإسرائيلى معقد أكثر مما يتذكره البعض. لذا، يأتى المديح والثناء فى غير أوانهما الآن. سيهتم ترامب أولا بمصالحه، وهذه المصالح قد لا تتماشى دائما مع توقعات ائتلاف نتنياهو. إن الدول التى ينبغى أن تكون قلقة بشكل خاص هى تلك الموجودة على الخط الأمامى ضد أعداء الغرب، وفى مقدمتها تايوان (ضد الصين) وأوكرانيا ودول بحر البلطيق (ضد روسيا). ليس من المستغرب أن يزداد التوتر فى أوروبا – وهناك مَن يتحدث عن خطر حقيقى على نهاية عصر الديمقراطيات الليبرالية الغربية.
هناك قضية واحدة لن تشغل ترامب على الإطلاق، وهى الانقلاب القضائى فى إسرائيل. فى سنة 2016، بعد فوز ترامب الأول، ذُكر أن نتنياهو طلب من مساعديه «أن يكونوا مثل ترامب»، وطالبهم باتباع نهج أكثر عدوانيةً فى مواجهة الخصوم السياسيين والردود على الصحافة. يبدو أن نتنياهو، من يناير فصاعدا، لن يكون بحاجة إلى القلق من الإدانات الأمريكية له فى الوقت الذى يواصل الدفع فى اتجاه تشريعات مناهضة للديمقراطية هنا. فهذا النهج الصارم الذى اتبعته إدارة بايدن ضد خطواته، بما فى ذلك التدخل الصارخ فى الشئون الداخلية الإسرائيلية، لن يتكرر مع ترامب الذى يحلم بمزيد من الصلاحيات الأوتوقراطية.
• • •
عائق آخر تمت إزالته، هو جالانت. فى المرة السابقة، فى شهر مارس من العام الماضى، كانت إقالة جالانت عبارة عن ردة فعل من نتنياهو على تحذيرات وزير الدفاع من الضرر الذى تُلحقه الإصلاحات القضائية بقدرة الجيش على تنفيذ عملياته بكفاءة. إلاّ إن رئيس الوزراء اضطر، حينها، إلى التراجع عن قراره تحت ضغط احتجاجات جماهيرية هائلة. هذه المرة، بات الوضع مختلفا. فعلى الرغم من وجود تظاهرات كبيرة مجددا، فإنه من الواضح أن زخم الاحتجاجات قد تراجع، على الرغم من أن تصرفات الحكومة أصبحت أكثر خطورة.
من المثير فى هذا السياق ما حدث فى الاستوديوهات، بعد نحو ساعة على بثّ تقرير عمّيت سيغال فى القناة 12 بشأن رسالة الإقالة التى أرسلها نتنياهو إلى جالانت. إذ جرى تبليغ الصحفيين أن رئيس الوزراء يفكر فى إقالة هليفى وبار قريبا. وأصدر مكتبه بيانا أفاد بإجراء محادثات بين نتنياهو ورئيس الأركان، ورئيس جهاز الشاباك، ورئيس الموساد دافيد برنياع، أكد لهم خلالها أنه «يتوقع استمرار العمل المشترك مع وزير الدفاع الجديد». وفى الوقت نفسه، ربما اعتقادا منه أنه ذهب بعيدا جدا، أصدر المكتب نفيا: «إن التقارير المتعلقة بنية رئيس الوزراء إقالة كبار المسئولين غير صحيحة، وتهدف إلى بث الانقسام والتفرقة».
يبدو أن هذه المرة أيضا، جرى حرق أسماء فى المنظومة الأمنية، ومن هنا، جاء التراجع السريع من نتنياهو. لكن مع ذلك، وصلت الرسالة التهديدية إلى رئيس هيئة الأركان ورئيس الشاباك: عليكما الالتزام بالخط، أو ستتم إقالتكما أيضا.
هناك قضيتان مُلحتان: جهود نتنياهو من أجل تمرير تشريع يتجاوز جالانت، ويضمن استمرار إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، وهو ما يؤمّن بقاء حكومته؛ واستمرار التحقيقَين الجاريَين فى مكتب رئيس الوزراء – فى قضية فلدشتاين ومزاعم تزوير محاضر الاجتماعات فى بداية الحرب. الأسماء التى تم ذكرها ذات صلة بكلا الأزمتين: بار للتحقيق فى قضية فلدشتاين، وهليفى للتشريع الخاص بالإعفاء من الخدمة. ليس مجرد تشريع عادى، بل قانون يضمن استمرار الضغط غير المحتمل على جنود الاحتياط، الذين خدم كثيرون منهم أكثر من 200 يوم فى الجيش خلال العام الماضي. بعد إقالة وزير الدفاع والتهديد بإقالة كبار المسئولين الآخرين، يبقى السؤال: ماذا سيتطلب الأمر لإخراج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع؟
عاموس هرئيل
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية