ما رأيكم بعام لا يحتفل العالم فيه بالمرأة فى يوم محدد، ولا نسمع فيه دعوات للمساواة والمشاركة فى يوم بذاته؟ ما رأيكم بعام لا نحتاج أن نتذكر فيه أن للمرأة دورا فى المجتمع وفى السياسة وفى سوق العمل؟ وعام لا نذكر المرأة على أنها الأخت والأم والخالة والجدة والزوجة؟ يعنى أنها فقط هى، وتعريفها لا يحتاج لربطها بعلاقتها بالرجل.
• • •
هى كيان بحد ذاته تحتل نصف الفضاء. هى نصف المجتمع فلماذا علينا أن نستخدم النصف الآخر لتعريفها؟ وعلى فكرة، لا حاجة لتعريف الرجل على أنه الأب والأخ والسند، هو أيضا نصف المجتمع ولا داعى لتحديد مهامه بالنسبة للمرأة لإعطائه «وزنا»!
• • •
فى اليوم العالمى للمرأة، يا لهول ما ينقصها وهول الذى ما زالت تسعى للحصول عليه. أن تصف إحداهن زوجها بأنه راق ولا يضربها فهذا معيار لما تراه هذه الشابة من حولها أو ما تربت عليه وتعودت أن تراه خلال ترعرعها فى مجتمع (هو مجتمعى أيضا) لا يستهجن استخدام العنف خلف باب بيت العائلة طالما هو مغلق. وقبل أن يستغرب القارئ، أود التذكير بإحصائية متداولة عن تعرض امرأة من بين كل ثلاث عالميا للتعنيف على يد الشريك. يعنى أننى قد أكون محاطة بشريكات معنفات مغلفات بورق براق يستخدم للف الهدايا. نعم هدايا للرجال ينزعون من عليها الورق كما تنتزعه ابنتى حين تحصل على لعبة جديدة تصبح خاصتها وملكها.
• • •
أنا عن نفسى مللت من النكات السخيفة حول قيادة المرأة كدليل على عدم أهليتها للمساواة، كما مللت من مديحها على قدرتها أن تقوم بمهام متعددة فى الوقت ذاته. مللت من محاولات التذكير بما قالته الأديان والشخصيات التاريخية عن الأمهات. بصراحة فقد مللت من ضرورة أن تخص المرأة بيوم عالمى وبتذكير مستمر بدورها والحاجة إلى دمجها على كل المستويات.
• • •
لكنى أيضا أعى أهمية استمرار الحملات هذه وضرورة أن نضع على عين المجتمعات، بما فيها على عين نسائها، أن الطريق نحو احترام المرأة وإعطائها حقوقا ما زال طويلا ومعقدا. فى مجتمعات لا تذكر بنات موتاها على أوراق النعى، ومجتمعات لا تسافر فيها المرأة دون إذن رجل يقوم عليها، ومجتمعات لا تنصف فى الميراث بغض النظر عن أسباب كانت تبدو شرعية قبل ألف وخمسمائة سنة، فى هذه المجتمعات طبعا النضال من أجل اقتلاع حقوق للمرأة مستمر.
• • •
لو أزاح الرجل بعضا من وزنه من الفضاء العام لاتسع لمرأة تشارك المجتمع بعملها وفكرها دون أن تحتاج أن تتعارك لخلق مساحة لها. لو تذكر الرجال قبل أى عمل عام واحتفال وندوة ومجموعة عمل يكونوها أن نصف مجتمعهم مكون من النساء لما رأينا صورا عن منتديات تقام لا حضور نسائى فيها. بكل جدية: كيف ما زال اليوم ممكنا أن تقام أى فعالية عامة، خصوصا فى العمل الحقوقى والسياسى والمجتمعى، وكل أعضائها من الرجال؟ أليس ثمة غلط على الأقل بصرى فى الصورة التى يتم تداولها على صفحات التواصل الاجتماعى حين يدعون إلى حضور الفعالية؟
• • •
فى عالم ما بعد الاحتفال، أريد أدوارا متوازنة ومنافسة بين قدرات الأشخاص على مهن ومناصب وخيارات. يتفاهم الناس على ما يناسب حالتهم فى العلاقة وفى العائلة، قد تبقى بعد أوجه دور المرأة بمعناها التقليدى لأسباب تناسبها، فأنا لست هنا بصدد نسف كل التقاليد. لن أفرض على النساء من حولى أدوارا قد لا يردنها لكنى أريد فرض الخيارات أمامهن، بمعنى إعطائنا جميعا الخيار كما يأخذه الرجل. أريد أن تكون الخيارات متاحة للجميع، بما فيها الخيارات القانونية التى تلجأ لها المرأة حين تحتاجها. أريد أن يكون لابنى وابنتى قدرة اختيار ما يناسبهما والتنافس على ما يريدان على أسس القدرات وليس الجنس. أنا بالمقابل سأحاسب وأنصح الاثنين وفق نفس الأسس ولن أهلل لبنتى أكثر من ابنى أو بالعكس.
• • •
أعترف أننى حين تعرفت على زوجى توقعت بعض المعاملة التقليدية رغم تمسكى وقتها بالمساواة والحقوق المتكافئة. حين لم يفتح لى الباب فى المطعم اعترضت فرد أنه توقع منى أن أعترض على فتحه كونى «فيمنست». استوقفنى موقفه ونظرته إلى امرأة مهنية تساويه بالتعليم والنجاح، ثم اعترفت أننى ما زلت أتوقع بعض «الزيادة» رغم التساوى. أريد فرصا متكافئة وبعض الاهتمام المبنى على النوع/الجنس. أظن أننى من جيل ما بين الاثنين، بمعنى أننى عاصرت النسويات الرياديات ممن هن أكبر منى سنا وعاصرت جيلا أصغر منى ينادى بالحقوق المتساوية بين الأعراق والأجناس، وأيضا عاصرت ما تبقى من عصر بروتوكولات جلها ورثناه من الغرب حول مفهومى «الجنتلمان» و«الليدى».
• • •
ربما فى عالم لم يعد يحتاج للنسوية لأنه تصالح مع التساوى بالفرص والتنافس، قد لا نحتاج إلى بروتوكولات صارمة ولا نتحسس من فتح الباب أو عدمه من قبل الرجل للمرأة وقد يفتح من يتقدم المشى الباب بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة. ربما سوف ننتقل إلى مساحة نتشارك فيها العمل والسياسة والتطوع والسلامة الشخصية والكثير من أخلاقيات العيش معا.
كاتبة سورية