لماذا تحزن؟! وفرج الله يتنزل من السماء فى كل لحظة على العباد، ولماذا تحزن ورزقك مكتوب وعمرك محسوب وأجلك مكتوب ولن يستطيع أحد من البشر مهما كان وزنه الدنيوى أن ينقص من هذه المكتوبات شىء، لا تشغل نفسك بالرزق الذى كفله الله لك وتغفل عن عبادة الله التى فرضها الله عليك.
لماذا تحزن؟! ألست تعبد ربا هو أرحم بك من الوالدة بوالدها، لماذا تحزن وقد ولدت عريانا فكساك الله، وفقيرا فأغناك الله، وباكيا فأسعدك الله، لماذا تحزن وربك على كل شىء قدير؟.
لماذا تحزن وقد أنجى الله أولياءه وعباده من قبل، أنجى الله يونس من بطن الحوت، فلا عليك سوى أن تردد دعاء يونس «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ». عليك فقط أن تردد هذا الدعاء وأن تثنى على ربك وتلوم نفسك وتراجعها، تمدح ربك وتذم نفسك.
لا تبك على اللبن المسكوب، وتعلم من كل خطأ تقع فيه أو خير يفوتك درس جديد، وثق أن لا شىء يفيدك فى الحياة مثل الألم الذى يعقبه الأمل، والرجاء فى الله بعد مراجعة النفس فيما مضى.
وإذا أردت الاستقرار والاتزان النفسى الدائم والمتواصل فعليك أن تعيش بقلبك وجوارحك مع قوله تعالى «لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ» فلا تغتر بما عندك من الدنيا، ولا تحزن على ما فاتك من متاعها فلعل الله ادخر لك ما هو خير منها فى الدنيا والآخرة.
العاقل هو من ينهض سريعا من كبوته، فلكل جواد كبوة ولكل سيف نبوة، وليست كل سقطة هى نهاية المطاف، فسقوط المطر هو أجمل بداية لكل الثمار والأشجار، والمشكلة فقط فيمن يستعذب السقوط ويعشق الهبوط ولا يحاول النهوض.
إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن بالله، وإذا فرحوا بالدنيا والمال فافرح بالله، وإذا أنسوا بالأصدقاء فى المقاهى فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا على أصحاب الجاه والمال والدنيا والسلطان وتقربوا إليهم لينالوا العز فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه سبحانه.
حينما تعتذر للآخرين عليك أن تحسن اختيار كلمات الاعتذار، لتكون فى منتهى الرقة والتلطف، فانتزاع السهم من الجرح أوجع من اختراقه.
الحزين سيفرح، والمريض سيشفى، والغائب سيعود، والسجين سيتحرر، والكرب سينفرج، والألم سيزول، والمظلوم سينصر، هذا وعد الله لعباده وهو حق، ألم يقل الله «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» ولن يغلب عسرٌ يسرين.
الابتسامة قد لا تجلب لك مالا، وقد لا تشترى لك طعام، ولكنها ستريحك وتريح الآخرين وتجلب لك عشرات الصداقات وتزيل عنك أكثر العداوات وتديم عليك كل المودات.
إذا وضعت إصبعك أمام النملة وهى تسير فإنها لا تتوقف، بل تسلك طريقا آخر إلى هدفها دون توقف، فالنملة لا تيأس، ولا يتكلس عقلها عند طريق واحد إلى هدفها، ولا تقول هذه الإصبع أكبر منى بكثير، لا تحاول القفز عليها أو عضها، ولكنها تتفادها، وتسلك طريقا آخر لا عوائق فيه ولا صعاب ولا خصوم ولا أعداء، أما نحن فإما أن نيأس ونحبط، وإما أن نحاول كسر الأصبع رغم أن ذلك فوق طاقتنا بكثير، ولا توجد لدينا المرونة والأمل والرجاء الذى يجعلنا نسلك طريقا آخر لا عوائق فيه ولا صعاب ويوصل للهدف ذاته.
إذا رأيت أسرة مستقرة وسعيدة فليس معنى ذلك تفاهم الزوجين أو طيبتهما أو غناهما أو يسر أمورهما باستمرار، ولكن قد يأتى نجاح واستقرار هذه الأسرة من أن أحد الزوجين يحسن للآخرين ويضحى من أجلهم ويبذل نفسه من أجلهم، فكل أسرة أو مؤسسة أو شركة ناجحة تقوم على أكتاف قلة مخلصة ومحسنة، هكذا وجدت الحياة حتى إننى نظرت فى زنازين السجون التى كان يضرب بها المثل فى الترتيب والنظام والمحبة والدقة فرأيت أنها تقوم على ثلة قليلة من أهل التضحية والإحسان، وقد وجدت المجتمع كله يقاس على ذلك، ولولا إحسان الأمهات فى البيوت المصرية لانهار معظمها.
لو وضعت النبات فى صندوق به ثقب، لخرج النبات من الثقب متوجها نحو النور والضوء، والنبات لا عقل له، فما بال الإنسان يترك نور الله وضياء الحق، وقد منحهم الله العقل وأضاء بصيرتهم بالفكر.
علينا جميعا أن نتدبر قول الله تعالى «يَا لَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى» لنعلم أن ما نحياه الآن ليس الحياة الحقيقية وإنما هى المعبر الذى نمر عليه لنصل إلى ساعة الحقيقة وحينها سيهتف البعض نادما «يَا لَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى».
الإنسان مثل القلم الرصاص كلما أردت أن تكتب به بريته، والإنسان تبريه المحن والصعوبات والمشقات ليخط بأجمل الأحرف أعظم الأشياء، ويظل الإنسان والقلم هكذا مع مرور الأيام، حتى يفنى القلم ولا يبقى له إلا جميل ما كتب، ويفنى الإنسان ولا يبقى له إلا جميل ما صنع، وأفضل ما قدم.