لا تعش لنفسك - عمرو خالد - بوابة الشروق
السبت 1 فبراير 2025 9:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لا تعش لنفسك

نشر فى : الأربعاء 9 سبتمبر 2009 - 9:48 ص | آخر تحديث : الأربعاء 9 سبتمبر 2009 - 9:48 ص

 المقولة مشهورة.. ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط!
سُئل يوسف عليه السلام.. لمَ تكثر من الصيام وأنت على خزائن الأرض؟ فقال إنه يعانى الجوع ويشعر بالجياع.

إن حكمة الصيام أن يقود لرقة القلب وتحريك الشفقة فى نفسك، فإن من يذوق طعم البلاء يكون على أهل البلاء أكثر عطفا، لذلك جاءت الصدقة ملازمة لصيام رمضان، فلو لم تجد فى نفسك حبا للصدقة فى رمضان فعطفك قليل وصيامك قليل.

رمضان يرفع مذلة الفقير، فلا يقول الفقير أعطنى، بل يسمع الغنى فى ضميره صوت الفقير أعطنى، ثم لا يسمع رجاء بل أمرا أعطه. إذا لم يحرك فيك الصيام والجوع حب المساكين فأنت لم تستفد كثيرا من صيامك.

هدف الجوع الاختيارى أن تتذكر أصحاب الجوع الإجبارى.

أنا أدعوك فى رمضان أن تخرج من بيتك وتزور الدويقة أو أى حى فقير، اذهب إلى مستشفى السرطان ومعاهد الأورام، انس أنت من وابن من.. اترك سيارتك واخلع بدلتك، وامشِ وسط البسطاء المحرومين وأصحاب البلاء.. اذهب وأنت صائم جائع، وليس بعد الإفطار، وقد امتلأت البطون بالطعام، اذهب بروحك وإنسانيتك، اذهب واستجمع كل ما أوتيت من رحمة، اذهب واطرد ساعات الأنانية عن نفسك، واستجمع كل إيمانك، اذهب وأكثر من ذكر «لا حول ولا قوة إلا بالله» رحمة بهم، وكذلك أكثر من ذكر «الحمد لله» لرحمة الله بك عندما أعطاك، اذهب واسأل نفسك أيهما أحب إلى: البخل أم العطاء.. البذل أم المنع.. حب الأنا أم حب الناس؟

دعنى أسألك: هل أنت تحب العطاء؟

أوحى الله لإبراهيم عليه السلام: أتعرف لماذا اتخذتك خليلا يا إبراهيم، فقال لم يارب؟ فقال لأنك تحب العطاء أكثر مما تحب الأخذ.

عندما نعيش لأنفسنا نولد صغارا ونعيش صغارا ونموت صغارا، وعندما نعيش للناس تمتد أعمارنا بعمر كل إنسان ندخل الفرحة على قلبه، فلنعش للناس إذن، وعندما يأتينا الموت سنكون سعداء.. سيقول الواحد منا لا أشعر برهبة الموت فلقد أخذت من الدنيا كثيرا يوم أن أعطيت كثيرا. ولن تبكى يومها على أولادك لمن تتركهم من بعدك، فلقد أمنتهم وأمنت مستقبلهم، فالخير لا يضيع، الديان موجود «اعمل ما شئت كما تدين تدان»، والمعروف لا يموت، والنبى يقول «صنائع المعروف تقى مصارع السوء».

صدقنى.. إن لذة العطاء أحلى بكثير من لذة الأخذ.. إن الفلاسفة دائما لديهم قدرة فائقة على نقض الأفكار أو المسلمات، لكن الحقيقة التى اتفق عليها أغلب الفلاسفة أن سعادة الإنسان فى العطاء أحلى من سعادته فى الأخذ.

اخرج من بيتك واذهب لحى فقير وأجلس إلى البسطاء أو قل البؤساء وأعطهم من نفسك كما تعطيهم من مالك، فرب ابتسامة مع العطاء تسعد الفقير أكثر من العطاء نفسه، ورب مسحة على رأس يتيم يسكن لها قلبه أكثر من جنيهات فى اليد والوجه عابس «قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم».

كان رسول الله جوادا وكان أجود ما يكون فى رمضان فهو كالريح المرسلة.. هذا حديث رائع، فالجود أعلى درجات الكرم والعطاء، فالجواد درجة أعلى من السخى ومن الكريم، ثم هو أجود ما يكون فى رمضان، ثم هو كالريح المرسلة.. لماذا الريح المرسلة؟ الريح لها ثلاث خصائص:

أولها: التتابع والاستمرارية فهى ليست كالنسمة تأتى حينا وتتوقف حينا، بل إنها مستمرة مرسلة بلا توقف، وهكذا كان النبى فى عطائه طوال رمضان.

وثانيها: السرعة فالريح ليس فيها تردد.

وثالثها: الشمول والعموم، فالريح تكون عامة تغطى مساحات كبيرة من الأرض، وهكذا كان النبى فى عطائه إذا أعطى أشبع وشمل عطاؤه من سأله، ومن لم يسأله، حتى قال أحد الأعراب واصفا عطاء النبى «إن محمدا يعطى عطاء من لا يخشى الفقر أبدا»، ولا عجب فقد قال النبى لبلال: «أنفق بلالا ولا تخشى من ذى العرش إقلالا» مع أن بلال أصلا من الفقراء.

إن الكل يعطى فى رمضان، ولكن شتان بين عطاء وعطاء، شتان بين عطاء مشوب بحذر وبخل وحساب، وعطاء الريح المرسلة.. العطاء السريع المستمر الشامل.

إن فى بلادنا أصحاب ملايين، العطاء إليهم أحب من الأخذ، لكن فى بلادنا أيضا أصحاب ملايين ومليارات لم يتذوقوا بعد لذة العطاء فحرموا من أحلى لذة فى الوجود، أهدى لهؤلاء وهؤلاء حديث النبى: «السخى قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة، والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الناس بعيد عن الجنة».

عمرو خالد داعية إسلامي بارز يحظى بشعبية طاغية خاصة في أوساط الشباب ، حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة عام 1988 ، ثم حصل على ليسانس الدراسات الإسلامية ، ويعكف الآن على نيل درجة الدكتوراة في الإسلام والتعايش مع الغرب من جامعة ويلز في بريطانيا.
التعليقات