الجيش في الانتخابات الأمريكية - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 7:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجيش في الانتخابات الأمريكية

نشر فى : الإثنين 9 سبتمبر 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 9 سبتمبر 2024 - 6:55 م

 فى تجاوب صارم مع مخاوف مؤسسى النموذج الديمقراطى الأمريكى، من تدخل الجيش فى الحياة السياسية، أوصد الدستور شتى المسالك، التى تمكَن العسكريين غير المنتخبين من اقتناص سدة السلطة، أوالتسلل إلى أروقة الحكم. فعبر نصوص بالغة الدقة والوضوح، حدد مسئوليات الرئيس المنتخب، وجعل منصب وزير الدفاع مدنيًا، كما جرد رئيس الأركان من أى سلطات سياسية، وخول الرئيس إقالته بأيسر الإجراءات. وبينما نأى الدستور بالجيش عن تفاصيل عملية الانتقال السياسى، أناط بالقانون والقضاء، مهمة تسوية أى خلاف بشأن نتائج الانتخابات.

أباح الدستور للعسكريين ولوج المجال السياسى من أبوابه الشرعية. فبينما كفل لهم حق التصويت فى الانتخابات، خولهم القسم 903 (أ) من قانون تفويض الدفاع الوطنى، المنافسة على المقاعد النيابية والمناصب التنفيذية، بعد سبع سنوات من التقاعد. ومن ثم غدا جورج واشنطن، قائد حرب التحرير ضد القوات البريطانية، أول رئيس للبلاد. فيما سعى الجنرال، ليونارد وود، إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهورى لرئاسيات عام 1920، ومثَل الجنرال وينفيلد سكوت، الحزب اليمينى فى ذات الماراثون. وعقب بلائه الحسن إبان الحرب العالمية الثانية، حظى الجنرال دوايت إيزنهاور، بترشيح الحزب الجمهورى لخوض السباق الرئاسى، حتى أضحى الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة. وبعدما شارك فى الحرب الكورية، انتخب جيمى كارتر، لاحقًا، حاكمًا لولاية جورجيا، قبل أن يصبح الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة، عام 1977. أما جورج بوش الأب، فقد انتخب نائبًا بمجلس النواب عن ولاية تكساس، بعد مشاركته فى الحرب العالمية الثانية، وقبل أن يمسى الرئيس الثالث والأربعين للبلاد سنة 1981.

منذ تأسيسه عام 1775، ظل الجيش ملتزمًا بمهامه الدستورية، متجنبًا التجاذبات السياسية. وفى هذا، يقول المتحدث باسم «البنتاجون»، جوناثان هوفمان: «لدينا دستور، أقسم عليه أفراد الجيش، لا يسمح له بأن يكون حكمًا فى النزاعات السياسية أو الانتخابية. أما كورى شاك، مدير برنامج السياسة الخارجية والدفاعية بمعهد أمريكان إنتربرايز، فيقول: «الجيش هو المؤسسة الأكثر ثقة لدى الأمريكيين. فعندما يرتبك الناس وقت الأزمات، يثقون أنه سيفعل الشىء الصحيح، القانونى، والدستورى. حتى وإن اضطر، أحيانًا، إلى تبنى إجراءات وتدابير، ربما تبدو استثنائية بالنسبة للديمقراطية الأمريكية.

لم يتورع ترامب، عن تسييس الجيش، من خلال الإشارة إلى القيادات العسكرية بوصف جنرالاتى، واستدعاء القوات المسلحة لأداء مهام داخلية مثيرة للجدل، مثل احتواء الاحتجاجات والاضطرابات المدنية المترتبة عن مقتل المواطن الأسود، جورج فلويد، على يد شرطى، فى مايو 2020. الأمر، الذى اعتبره خبراء ومسئولون عسكريون سابقون، انتهاكًا للتوازن الحساس والراسخ فى العلاقات المدنية - العسكرية. وعلى إثرها، تعرض الجنرال مايكل ميلى، رئيس هيئة الأركان المشتركة، لانتقادات، جراء ظهوره رفقة، ترامب، فى جولة ميدانية بساحة «لافاييت». وعلى الفور، استفاق ميلى، واعترف بالخطأ، الذى ارتآه كثيرون، إيذانًا بانخراط الجيش فى السياسة.

بعد أيام على حادثة اقتحام أنصار ترامب، مبنى الكابيتول فى السادس من يناير2021، لتعطيل تصديق الكونجرس على نتائج انتخابات 2020، أصدرت هيئة الأركان المشتركة بيانًا، وقع عليه رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسة للقوات المسلحة؛ يؤكد فوز بايدن، بالرئاسة بعد إقرار المجمع الانتخابى، وتصديق الكونجرس. ويشدد على طاعة الجيش الأوامر القانونية للرئيس المنتخب، الذى بات القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورغم أن الجيش لم يشارك قط فى تسوية الخلافات الانتخابية، عاون الحرس الوطنى، وكالات إنفاذ القانون لتأمين حفل تنصيب، بايدن.

وفى الإطار ذاته، أصدر عشرة وزراء دفاع سابقون، ينتمون إلى الحزبين الجمهورى والديمقراطى، بيانًا حذروا فيه من أى تدخل للجيش فى العملية السياسية. مؤكدين التزامه الرسمى بقسمه حيال نصرة الدستور، والدفاع عنه ضد جميع الأعداء، فى الداخل والخارج، وليس لشخص بذاته أو حزب بعينه. وتوسلا منه لتجنب ملابسات انتخابات 2020، وما تبعها من اضطرابات استدرجت الجيش إلى غياهب السياسة، أكد الجنرال ميلى، لأعضاء الكونجرس، مؤخرًا، تمسكه بمبدأ الجيش الأمريكى غير السياسى. مستبعدًا أى دور للقوات المسلحة خلال الانتخابات المنتظرة أو تسوية النزاعات المتعلقة بنتائجها.

سلطت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، الضوء على التأثير الممتد لعلاقة المرشحين الرئاسيين بالمؤسسة العسكرية، فى الفعاليات الانتخابية. ففى عام 1992، اتهم، جورج بوش الأب، خصمه، بيل كلينتون، بالتهرب من الخدمة العسكرية. وسنة 1988، انتقد، مايكل دوكاكيس، حاكم ماساشوستس الأسبق، بوش، بجريرة قضية إيران كونترا، وترتيب جلسة تصوير داخل دبابة لاستثمار مشاركته فى الحرب العالمية الثانية، لتعزيز موقفه الانتخابى التنافسى. وإبان الحملة الرئاسية لعام 2004، تم التشكيك فى أداء المرشح، جورج بوش الابن، الخدمة العسكرية؛ كما شكك كريس لاسيفيتا، الذى يعمل مستشارًا لحملة ترامب، الحالية، فى سجل، جون كيرى، العسكرى. ورغم أن المرشحين للرئاسيات المرتقبة لم يخدما فى الجيش، شكل هذا الأمر أحد أسلحة معركتهما الانتخابية. فقد سعت حملة ترامب، إلى تقويض السجل الخدمى لمرشح، هاريس، لمنصب نائب الرئيس تيم والز، الذى قضى 24 عامًا فى الحرس الوطنى، قبل أن يتقاعد ويترشح للكونجرس. فيما اعتبره مرشح، ترامب، لمنصب نائب الرئيس، جيه دى فانس، نموذجًا لـ«الشجاعة المسروقة».

تزلفا منه للعسكريين ومريديهم، عبر استخدام المحاربين القدامى أداة سياسية خلال الماراثون الرئاسى الحالى. قام، ترامب، نهاية أغسطس الماضى، بزيارة إلى مقبرة أرلينجتون الوطنية، رفقة عائلات بعض الجنود الـ13، الذين قضوا إثر تفجير هز كابول، قبيل ساعات من مغادرة القوات الأمريكية أفغانستان، عام 2021. ففى ظاهره، لاح الأمر مشاركة بحفل التأبين، وإحياءً للذكرى الثالثة للمأساة. أما باطنه فطوى مسعى لإبراز ثغرة بسجل منافسته الديمقراطية، بوصفها نائبة للرئيس، الذى وقعت الحادثة فى عهده. وقد بثت حملة، ترامب، فيديو لبايدن، قبل تنحيه عن تمثيل الديمقراطيين بالانتخابات المزمعة، وهو يتفحص ساعته أثناء حفل تأبين أولئك الجنود، وكأنه يستثقل المهمة. الأمر، الذى دفع بعض أسر الضحايا المشاركين بالمؤتمر العام الأخير للحزب الجمهورى، إلى انتقاده، ومطالبته بالارتقاء إلى مستوى المناسبات والفعاليات الوطنية.

ارتدت، سلبًا، زيارة ترامب، للمقبرة، الأكثر أهمية لضحايا الحروب الأمريكيين .فلقد انتقد الجيش مرافقيه، إثر دفعهم موظفة بالمقبرة، حينما طالبتهم الامتثال للقوانين الفيدرالية، لوائح الجيش وسياسات وزارة الدفاع، التى تحظر الأنشطة السياسية بالمقبرة. وفى محاولة لقلب الطاولة عليه، اعتبر المتحدث باسم حملة، هاريس، الحادثة محزنة للغاية، إذ أظهرت عدم احترام، ترامب، الجيش وتضحيات جنوده. مؤكدًا تعهد المرشحة الديمقراطية، الوفاء بالتزام مقدس لرعاية وتكريم الجيش، دونما استخفاف بخدمات جنوده وتضحياتهم .كذلك، اعتبر الديمقراطيون الحادثة، دليلًا جديدًا على ارتباك علاقة، ترامب، بالجيش. فلم يتوان عن وصف محاربيه القدامى بـ«"الحمقى والخاسرين»؛ كما زعم أن السيناتور جون ماكين، ليس بطل حرب، لأنه وقع فى الأسر. وعقب الزيارة، كالت جماعات المحاربين القدامى، انتقادات لاذعة لترامب، جراء قوله: «إن أعلى وسام مدنى فى البلاد أفضل بكثير من أعلى وسام عسكرى. لأن أفراد الخدمة، الذين يتلقون الأخير، إما فى حالة سيئة للغاية، أو ضمن قوائم الموتى».

مع اقتراب موعد الاقتراع الرئاسى، تتوالى المؤشرات على حضور الجيش فى المشهد الانتخابى الأمريكى. فنظريًا، اقترح خبراء أن يغدو تأكيد الولاء للجيش واحترامه، شرطًا لخوض السباق الرئاسى. وبينما أشار النائب الديمقراطى جيك أوكينكلوس، إلى ما يراه غريزة سياسية تحض على احترام الجيش، باعتباره أساسًا أخلاقيًا ملزمًا. طالب البروفيسير بيترفيفر، المساعد السابق لمجلس الأمن القومى، بضرورة اجتياز الرؤساء اختبار القائد الأعلى، وتلبية حد أدنى من الشروط، التى تمكنهم من الثقة فى ذلك المنصب، كما فى الترسانة النووية، مع احترام أدوارالمجندين من الرجال والنساء. أما عمليًا فيبدو أن محاولة اغتيال ترامب، فى يوليو الماضى، قد فرضت معطيات جديدة. حيث أعلن «البنتاجون» تلبية الجيش مطلب الوزارة المسئولة عن جهاز الخدمة السرية، المنوط به حماية الشخصيات السياسية البارزة. ومن ثم سيشارك فى توفير حماية إضافية للمرشحين الرئاسيين، أثناء الحملات الدعائية، وإبان التصويت فى الخامس من نوفمبر المقبل، وربما حفل تنصيب الرئيس السابع والأربعين، مطلع العام المقبل.

التعليقات