نحتاج أن نتكلم بالفعل! - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 8:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحتاج أن نتكلم بالفعل!

نشر فى : الخميس 9 نوفمبر 2017 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 9 نوفمبر 2017 - 9:25 م
نحن نحتاج أن نتكلم، كان هذا شعار منتدى شباب العالم الذى بدأ فعالياته فى مصر قبل عدة أيام برعاية رئاسة الجمهورية، كان اختيار الشعار موفقا للغاية وشديد الدلالة سواء بانعكاسه الخارجى أو الداخلى المصرى، لكن اختيار هذا الشعار ألقى بمسئولية إضافية على من اختاروه ليفرض أسئلة بديهية تخص الواقع المصرى، هل نحن نستطيع التكلم بحرية؟ هل نستطيع إدارة حوار حقيقى بين المصريين تتجلى فيه جميع الألوان السياسية والفكرية والجيلية؟ هل فقد المصريون القدرة على الحوار منذ اندلاع نار الاستقطاب السياسى الذى مزق الأواصر المجتمعية وأحدث حالة من الشقاق العميق بين الناس على جميع المستويات بما فيها أفراد البيت الواحد؟ 
هناك بلا شك تضييق على المجال العام فى مصر يتزايد خلال السنوات الماضية ويتم ربطه بأولويات الأمن والاستقرار وإنقاذ الدولة المصرية من السقوط، وهذا ربط تعسفى يبتعد عن المنطقية لأن فتح آفاق الحوار وتوسيع الحريات لا يعنى أبدًا إثارة الفوضى ولا العبث بالاستقرار بل على العكس من ذلك تماما، فتح باب الحريات يضمن استيعاب الجميع وعدم خروج شرائح ومجموعات كثيرة خارج الإطار العام للدولة وهذا هو الترسيخ الحقيقى لمعنى الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية والحفاظ على كيان الدولة.
الدولة القوية لا تهزها كلمات معارض ولا أراء مخالفة لتوجهات السلطة بل تنعكس قوة النظام وثقته فى أن يرى الناس على وسائل الإعلام وشاشات الفضائيات آراء المؤيدين والمعارضين فى إطار حوار حقيقى يتسم بالإحترام والموضوعية وعدم التجريح ويكون الهدف منه تحقيق الصالح العام، لا تعنى الحريات تعطيل العمل ولا إيقاف عجلة التنمية ولا إسقاط الدولة بل تثبيتها بقيم العدل والقانون وعدم إقصاء أى طرف ما دام أنه يلتزم بالقانون ويحترم الإطار العام المنظم للحياة السياسية.
***
الرجوع دائما للمشهد الثورى على أنه الحالة الدائمة التى يريدها أنصار الديمقراطية هو تضليل وافتراء، المناصرون للديمقراطية لا يريدون تظاهرات يومية ولا اضرابات مستمرة ولا تعطيل للحياة، الثورة لم تكن يوما هدفا بل كان الحراك الثورى فى يناير 2011 وسيلة للضغط لتغيير الأوضاع البائسة التى عانى منها المصريون، كذلك أغلب فاعليات الحراك بعد ذلك كانت لاستكمال تحقيق الأهداف التى لم تكتمل وتم الالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها، لذلك يجب إنهاء التفكير والظن السيئ بأن من يطالبون بتوسيع الحريات وضمان حقوق الإنسان هم دعاة فوضى وخراب بل هم دعاة إصلاح وبناء واستقرار.
حالة الثأر من ثورة يناير يجب أن تنتهى وهذه مسئولية النظام إذا كان يريد بالفعل احتواء الجميع خاصة أن مؤيدى أهداف ثورة يناير عشرات الملايين من المصريين من مختلف الأجيال وليس الشباب فقط وهؤلاء لم تتغير قناعتهم وإيمانهم رغم كل ما حدث من تشويه وافتراء وتضليل تجاه هذه الثورة، حالة الاستقطاب العام بين المصريين يجب أن نبدأ خطوات حقيقية لإزالة أثارها السلبية وتداعياتها المخيفة، هناك تصنيفات يجب أن نتجاوزها، تصنيف الناس كثوريين وفلول، تصنيف الناس كإسلاميين ومدنيين، تصنيف الناس كمؤيدين ومعارضين، توزيع صكوك الوطنية وربطها بالولاء التام للسلطة، كل هذه تصنيفات مقيتة مزقت المجتمع وعمقت الكراهية وأبعدتنا عن لغة الحوار الحقيقى الذى يحتاجه الوطن وصار كل فريق يتعصب لمن يؤيده دون إعمال عقل أو فكر أو ضمير.
إدارة حوار عام تتجلى فيه جميع الأطياف لن يضر السلطة بل فى الحقيقة يثبت أقدامها ويأخذها لمساحات أكثر سعة ورحابة، على أن يكون هدف الحوار هو توحيد المصريين وطى صفحة الماضى للانطلاق الحقيقى للمستقبل، هل نستطيع إدارة هذا الحوار؟ هل لدينا الثقة الكافية للسماع لمن يختلفون معنا ومناقشتهم والاستفادة من رؤاهم أو حتى تغيير وجهات نظرهم عبر الإقناع وتوضيح الرؤى الغائبة؟ 
***
علينا أن نعترف أننا فقدنا القدرة على الحوار وسماع بعضنا البعض، وحل مكان الحوار لغة تشكيك وتخوين وتفتيش فى النوايا واتهامات مرسلة ورغبة فى التشفى واللوم بحق وبغير حق، كل ما جرى فى مصر لا يقترب بأى حال من البلاد التى مزقتها الحروب الأهلية، دول مثل رواندا من يراجع ما حدث فيها لا يتخيل أن مواطنيها كان يمكنهم العودة للعيش معا لكن اليوم تتقدم رواندا وتقفز قفزات كبرى نحو التنمية والازدهار الاقتصادى والوفاق المجتمعى.
ليس عيبا أن نراجع جميعا أنفسنا بل المأساة أن نتجمد عند لحظات تاريخية معينة ألغت فيها حدة الاختلاف بصيرة العقل وجعلته أحادى الاتجاه يرفض المراجعة وتقييم الذات، الدعوة للحوار هى دعوة لصالح الوطن وليست لصالح فصيل سياسى معين ولا ممالأة لسلطة لا ترى سوى مؤيديها ولا تآبه لمن يختلف معها، إذا اعتبرنا ما مضى على مدى 6 سنوات هو فترة انتقالية بكل ما تعنيه الكلمة فقد آن الأوان للانتقال السليم المبنى على أسس وركائز موضوعية تعيد بناء وتشكيل الوجدان السياسى المصرى لمن هم فى السلطة ومن هم خارجها، ترتيب البيت من الداخل يجب أن يكون أولوية أى نظام يحرص على تحقيق الاستقرار وتحسين الصورة الخارجية، وهذا الترتيب لا يعنى إحكام القبضة الأمنية وتضييق مساحات الحراك وتأميم المجال العام بل يعنى مزيدا من الانفتاح والقبول للآخر وإدماج غالبية النخب فى إطار سياسى صحى بعيدا عن آفة الهيمنة والتبعية والنفاق، ليس هناك تعارض بين مصلحة الدولة وبين فتح الباب لحياة سياسية حقيقية تتحلى كل الأطراف فيها بالمسئولية ويكون الشعب هو الوصى والقيم على الجميع من خلال آليات التعبير الشرعية ووسائل التنافس المشروعة.
لو كنت فى موضع قرار داخل السلطة الحالية لكانت الأولوية هى تضميد جراح الماضى وإزالة الكراهية وإنهاء الاستقطاب بإعلان أن مصر لجميع مواطنيها وأن كل مواطن مكفول له حق التأييد أو الاختلاف طالما ارتضى أن يكون داخل المربع السلمى والتزم بأطر العملية السياسية العامة.
مصر تحتاج أن تنفض عنها غبار مرارة الماضى عبر طى صفحات الخلاف والكراهية وتوحيد المصريين كأمة واحدة نحو أهداف تنمية حقيقية ضمن خطط موضوعية ورؤى منضبطة ومحددة، حين قامت ألمانيا بعد تدميرها فى الحرب العالمية رفعت شعار أمة واحدة ستنهض وتتقدم، ونحن أولى الآن بأن نرفع هذا الشعار وسط التحديات البالغة التى تحيط ببلادنا إقليميا ودوليا.
استعادة ثقتنا بعضنا البعض وتلاحمنا يصنع مستقبل لهذا الوطن، هذا هو المشروع القومى الأول الذى يجب أن نعمل له جميعا باختلاف توجهاتنا، أمة مصرية واحدة تحتوى جميع أبنائها وتوظفهم فى حلم كبير بأن تكون مصر من الدول الثمانية الكبرى، نستطيع بلا شك إذا توفرت الإرادة.
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات