خلاصة ما وصلت إليه عن السينما المصرية وأنا فى هذه السن أن نسبة كبيرة من هذه الأفلام هى بمثابة أشلاء لبعضها البعض، وقد تعلمت هذا الأمر من متابعتى لمقالات الناقد الراحل مجدى فهمى الذى كان رئيسا لتحرير الكواكب فى أوائل الستينيات، كما كتب أهم مقالات النقد فى مجلة الشبكة طوال السبعينيات، حيث كان يقوم بتفصيص النص السينمائى المصرى ويكشف لك أن الفيلم عبارة عن رتق من أفلام أخرى أجنبية أو مصرية قد تصل مائة رتقة، ولا أنكر أننى مازلت أسير على منهجه فقد كان واسع الثقافة كثير المشاهدة، وللأسف فإن أحدا من أجيالنا لا يعرفه، وأن النقاد المصريين الذين عاصروه لا يذكرونه بما يستحق.
هكذا فيلم «الدموع الساخنة» إخراج يحيى العلمى وتأليف محمود أبوزيد الذى كان موظفا فى الرقابة فى مرحلة اعتمد على مشاهدة الأفلام الأجنبية قبل أن نعرفه فى مرحلة اقتناص القصاصات من الأفلام الأجنبية، والفيلم بطولة نور الشريف وحسين فهمى وميرفت أمين ومحمود المليجى، الذى كان بطلا أيضا فى فيلم «لواحظ» 1957 إخراج حسن الإمام، فهناك قصاصة كبيرة تم نقلها من الفيلم القديم وهى أن هناك فتاة «شادية» دخل أبوها السجن وتركها لأمها كى تعمل كبنت له والذى يعمل كضباط شرطة، والذى يكتشف أنها يمكنها التوبة فيأخذها إلى بيته؛ حيث أبوه لواء شرطة، وعلى طريقة حسن الإمام فإن «لواحظ» هى الابنة الحقيقية لهذا اللواء وأن الضابط كمال الشناوى هو أخوها حتى يخرج الأب المزعوم من السجن، ويحاول استعادة لواحظ إلى عالم الليل، التشابه واضح وفى فيلم الدموع الساخنة فإن الضابط حسين فهمى يقبض على الفتاة «حنان» ويكتشف براءتها ومن أجل إنقاذها يأخذها إلى بيت أبيه للعيش معهم فى نفس الدار، والأب هنا مستشار وليس ضابطا، وهنا أيضا إضافة لشخصية الأخ الأصغر ويقع الشقيقان فى حب الفتاة نفسها ويدور الصراع ويظهر الأب الحقيقى للفتاة ويتصاعد الصراع ويفقد شريف بصره فى معركة مع الأب الحقيقى لها، وتعود إلى المنزل لتشهد صراعا جديدا فى منافسة بين الشقيقين اللذين يحبان الفتاة نفسه.. هل رأيت إلى أى حد هناك تشابه بين الفيلمين؟ وأحب أن أضيف أن هناك قصاصات أخرى موجودة فى فيلم «غرام الأسياد» إخراج رمسيس نجيب 1959، وأيضا الفيلم الأمريكى «سابرينا» إخراج بيلى ويدر، حيث تتكرر قصة قابيل وهابيل بشكل معاصر.
نحن نتكلم هنا عن اقتباس ولكن عن عملية رتق عن عدة قصاصات وما يجعلك تتسأل «ترى أين رأيت هذا الفيلم من قبل»، إنها حالة من التعامل مع الكتابة المقارنة بين الأفلام، ولعل هذا يدفعك إلى استحضار كيف تعاملت السينما المصرية مثلا مع الخصومة العاطفية بين الشقيقين حول نفس المرأة فى عشرات الأفلام المصرية، خاصة فى الخمسينيات ومنها: «صراع فى المنياء»، «الأخ الكبير»، «كهرمان»، و«مرأة فى الطريق»، «نداء العشاق»، بالإضافة إلى أفلام أخرى حول رجل واحد بين شقيقتين مثل رأينا فى «بنات اليوم» أو منافسة بين رجل وابنه حول نفس الفتاة مثل «لحن الوفاء» و«رجل بلا قلب»، وأيضا أفلام أخرى مثل «صراع فى النيل» وأحيانا منافسة بين أصدقاء مثل «لوعة الحب»، لاحظ أننا نذكر فقط نماذج من أفلام الخمسينيات للدلالة على مدى ما وصلت إليه نزع القصاصات بين الأفلام وبعضها، لاحظ أننا فى الأساس نتكلم عن فيلم من منتصف السبعينيات لكن سيل الأعمال الفنية المتشابهة أعادنا إلى الخمسينيات وما بها من تنوع وازدهار.